هل أخطأ أردوغان؟ وأفلح مناوئوه؟
الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر
تحرّك من يريد أن ينصر دين الله، ويمكّن له في الأرض، وسعى للذّود عنه، وتحدّى كلّ المثبّطات، وتجاوز كلّ العقبات، وتعدّى كلّ المخاطر والـمعرقلات، وتجاهل كلّ التّهديدات، وسخّر نفسه وجهوده لإحقاق الحقّ، وردّ الاعتبار لهياكل الدّين.. فأقدم على ردّ الأمر إلى نصابه.. وأعلن رسميًّا إعادة مسجد أيا صوفيا إلى مداره الصّحيح، بعد أكثر من خمسة وثمانين عامًا، قضاها بعيدًا عن سبيله الحقيقيّة، إذ أمضاها متحفًا أثريًّا، وهو أصلا شُيِّد مسجدًا للقيام بشعائر الدّين الإسلامي..
قام بهذا العمل الجليل رجل آمن أنّه تولّى منصب رئيس الدّولة ليقومبالرّسالة ويؤدّي الأمانة، وينصر دين الله، ويرفع من معنويات الـمسلمين التي حطّ بها حكّام تربّعوا على العرش ليذيقوا الشّعوب العذاب والشّقاء وضرب مقوّماته، والتّعاون مع الأعداء لسلبه قيمه وشخصيّته.. هيّأ الله هذا الرّجل المخلص الصّادق الأمين ليقوم بما يخدم مصالح المسلمين، ويقف سدّا منيعًا أمام المخطّطات التّدميريّة للكيان الإسلامي، المهدّمة للهويّة الإسلاميّة، الـمنسفة للوجود الإسلامي على البسيطة.. لكنّهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين..
كان من بين ما قام به هذا الرّجل ” رجب طيّب أردغان” البطل الشّهم الأبيّ الكميّ. إعادة متحف “أياصوفيا” إلى حَالِهِ الطّبيعية؛ مسجدًا لعبادة المسلمين، بعدما كان متحفًا، بفعل ناقم وماكر وظالم وحقود على الإسلام..
قام الرّجل بهذا العمل الكبير الجليل، فقامت قيامة المرتزقة، وثارت ثائرة العملاء، واستشاط غيظًا الخبثاء والجبناء العاملون مع الأعداء لطمس معالم الدّينالإسلامي.. فقالوا وردّدوا مع أسيادهم ومن صنعوهم على أعينهم وأيديهم ليكونوا حربًا على الإسلام، ومعاول لهدم معالمه..؛ متسائلين مندهشين: كيف يحدث هذا؟ هذا بدع من العمل المعادي للحضارة الإنسانيّة، وتغيير لِـخَلْقٍوَضَعَهُ صنّاع المدنيّة، واعتداء على معلم يمثّل خُلُقَ التّعايش والمصالحة والمؤاخاة.. هذا فعل شنيع، وعمل فظيع.. لا ينبغي السّكوت عليه. كيف يحوّل المتحف الإنساني إلى مسجد خاصّ بالمسلمين؟ هذا من فعل معتوه، وتصرّفٌ من مُـختلّ عقليًّا، وعمل صادرٌ ممّن يريد نشر الفوضى في العالم.. لابدّ من محاسبته، بل لابدّ من العمل على تغيير المنكر فيه..
الرّجل فكّر في القيام بهذا العمل الجليل الحضاري قبل خمسة وعشرين عامًا، حين كان رئيس بلديّة اسطنبول.. حرصا منه على تنفيذ وصيّة فاتح المدينة ” محمد الفاتح” سنة 1453م؛ وفاء بالعهد، وقيامًا بالواجب.. بينما غيره كان يخطّط منذ خمس وعشرين سنة لطعن الفلسطينيّين وقضيّة الأمّة الإسلاميّة من الخلف، والقيام بأعمال وتنفيذ مشروعات للتّطبيع مع الكيان الصّهيوني الغاصب المحتلّ، فجهروا بذلك – ومن دون حياء ولا مروءة –أخيرًا، فتسارعت خطواتهم في هده السّبيل، التي سيكون فيها حتفهم قريبًا وعلى أيدي من يتقرّبون منه ويقتربون إليه، فما كان اليهود أصحاب عهود عبر التّاريخ، نُعِتُوا دومًا بالمفسدين في الأرض مع كلّ الأقوام الذين عاشروهم.
انتقد هؤلاء الأنذال وانقلبوا غيظًا وحقدًا وشتمًا وسبًّا، وأرعدوا وأزبدوا وتوعّدوا، ونطقوا كفرًا وأظهروا شرًّا… لأردوغان، وهو يقوم بواجب إنصاف المظلوم واسترجاع الحقّ المغصوبالمهضوم.. وتمكين الـمَعْلَم أن يسترجع صفته الحقيقيّة؛ مسجدًا للمسلمين. بينما هم يحتفون بفتح معابد للبوذيّين في أرض المسلمين، في دبي، ويحتفلون بفتح المخامر والمراقص وبيوت الفساد. في أرض الحرمين الشّريفين..من دون حياء، ولا مراعاة لمشاعر المسلمين.. ألا يخاف هؤلاء سخط الله وبأسه وانتقامه لحرماته التي تنتهك؟! إنّه لبالمرصاد لهم، يُـمهلهم ولا يهملهم..
يتعاطفون مع الصّليبيّين الذين دنّسوا قبر صلاح الدّين الأيّوبي، قاهرهم وهازمهم ومحرّر القدس. ويعجبون ويتفاخرون ويلتفّون حول من أراد تهويد القدس، وتحويلها عن المسلمين إلى وجهة الصّهاينة، ويغضبون من أردوغان ويسخطون ويندبون؛ لأنّه أعاد أيا صوفيا للمسلمين التي سلبتمنهم.!!
تمرّ خمس وعشرون سنة(ربع قرن) على مجزرة سربرنيتسا في حرب الإبادة الجماعيّة والتّطهير العرقي والتّنكيل بالمسلمين، حرب البوسنة والهرسك التي ارتكبها الصّرب في آلاف المسلمين البوسنيّين. فيمرّ ولا حدث عند العملاء والخونة والمنبطحين، فلا تنديد ولا تذكير ولا مساءلة لمرتكبيها.. بينما تتحرّك القلوب متعاطفة شفوقة على ضياع المتحف الأثري وانتقاله (عودته) إلى مسجد، وهو ملك المسلمين..هذا طبع السّفهاء، وهذا سبيل الجبناء المغلوبين على أمرهم.
لماذا لم يسائلوا ويحاسبوا وينددّوا .. بما فعله الصّليبيون في مساجد الأندلس، وكيف حوّلوها إلى كنائس ومتاحف ومكتبات وأمكنة للسّياحة؟ وبعضها حوّل اصطبلات للحيوانات؟ أين الذّوق؟ أين المروءة؟ أين الإنسانيّة؟
لماذا لم ينتقدوا وينقموا ويثوروا على الأفعال التي ارتكبت في صقليّة ومالطة وفي الجمهوريّات الإسلاميّة التي كانت تابعة للاتّحاد السّوفياتي، وما عانته شعوب البلقان من الصّليبيّين وأعداء الإسلام؟ أم أنّ شعورهم بالـمآسي كان نائمًا، واستيقظ مع الأعمال البطوليّة لأردوغان، هنا عرفوا حقيقة المشاعر المخدوشة، والعواطف المجروحة، وذلك حين رأوا الإسلام يناله فتح من الله على يد فاتح الخير، بعد فاتح القسطنطينيّة، فغاظهم ذلك، فانتفضوا ليرضى عنهم أولو الفضل والنّعم عليهم..
نحن في الجزائر عانينا من طمس هويّتنا، وتغيير معالم شخصيّتنا. كان من بين مظاهر ذلك تحويل المساجد إلى كنائس وغيرها، بل بعضها وضع اصطبلات ومزابل.. تذكر بعض الإحصائيّات أنّ عدد المساجد التي تعرّضت للاعتداء على حرماتها بالتّغيير القسري- بفعل صليبيّ حقود – بلغ ثلاثة عشرألف مسجد (13000) هل هذا منكر؟ هل هذا اعتداء؟هل هذا تغيير خلق الله؟؟ الجواب الـمُقنع، والخبر اليقين عند أصحاب السّعادة والمعالي والشّهامة، من ضاقوا ذرعًا بأعمال أردوغان الكبيرة الجليلة، ومن نقموا عليه رفع الأذان في جامع أيا صوفيا، وافتتاحه بآيات بيّنات من الذّكر الحكيم، تلاها بنفسه، ما لا يمكن أن يقوم به أيّ حاكم، يكون كفئًا ومناسبًا لتلك اللّحظات…
نقول لهؤلاء المنكرين والنّاقمين.. إنّ دولة الإسلام قادمة، ونصر الله آت، ودولة الكفر مقهورةوآيلة, فهذا وعد الله التي لا يتخلّف. ونقول لهم: إنّ تحرير الأقصى والقدس آتيان بالتّبع بعد تحرير أيا صوفيا، فارتقبوا إنّا معكم مرتقبون.. ونقول لهم: إنّ ما قام به رجب طيّب أردوغان هو الحقّ، وهو ما وعد به الله جلّ وعلا: )وَيسْتَنْبئُونَكَأحَقٌّ هُوَ قُلِ إي وربّيَ إِنّهُ لحقٌّ وَما أنتُمْ بمُعْجزين( (يونس/ 53).ونذكّرهم بقول الله – إن كانوا يعقلون -: )قالَ ربِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عليَّ فَلَنْ أَكونَ ظَهيرًا للمُجرمين((القصص/17)،) وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الكِتابُ فلاَ تَكونَنَّ ظَهيرًا للكَافِرينَ ( (القصص/ 86).
نقول لهؤلاء المغرورين والمتنطّعين والمعتدين ما قاله ربّنا القهّار الحبّار على كلّ متجبّر مكّار: )أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فلاَ يامنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ القومُ الخاسرونَ.((الأعراف/ 99)..
الله أكبر كبيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فالعزّة للإسلام والخسران للكفر والطّغيان،والبقاء للأصلح للنّاس والبشريّة، إنّه دين الله، وخسئ الظّالمون والمجرمون..فهل أخطأ أردوغان، وأفلح مناوئوه؟؟
الجزائر يوم الأحد: 21 من ذي القعدة 1441ه
12 من يوليو 2020م