مجزرة آل سبيعيان.. تأصيل النزعة الإجرامية لدواعش حزب الإصلاح اليمنيّ
إبراهيم الهمداني | اليمن
طالما سعى إخوان اليمن – حزب الإصلاح – إظهار أنفسهم في صورة الإنسان المثالي (السوبرمان)، الذي يمثل النموذج الكامل، بإحرازه المرتبة الأولى دينياً ووطنياً وأخلاقياً وسياسيا وإنسانياً، بوصفهم يمثلون الامتداد الأيديولوجي للإخوان المسلمين في مصر، ويحملون معاً مشروعاً عالمياً، ويحلمون بالوصول إلى قيادة عالمية، من خلال تبني مشروع الإسلام المعاصر الليبرالي المنفتح على كافة الطوائف والأعراق والمذاهب والأديان، على مبدأ العدل والمساواة بين الجميع، دون تمييز، والانطلاق من الأخوة الإيمانية الإسلامية، إلى الأخوة الإنسانية.
وبغض النظر عن التناقض الحاصل بين ما تدعيه من مثالية، وما تفصح عنه قراءة مشروعها من مظاهر السلطة المتعالية، والأبوية البطريركية في ثوبها الإسلامي، ورغم قيام طروحاتها النظرية على أساس الإسلام المنفتح، أو تقديم الدين الإسلامي برؤية معاصرة، إلَّا أنها في بذرتها الأولى وخلفيتها ومرجعيتها الأيديولوجية، لا تخلو من نزعة التعصب المتطرف حيث تعاملت مع محيطها وواقعها – أنذآك – بوصفه مستنقعاً للمعاصي والمنكرات والإنحلال الأخلاقي، ورأت أن مهمتها الأولى هي محاربة المنكرات، وأنشأت كذلك جمعية محاربة المنكرات، كما أنها تلتقي مع جماعة (إخوان من أطاع الله) الوهابية النجدية أو(جيش الغطغط)، في كثير من مظاهر التطرف الفكري والسلوكي، رغم تقنعها بالانفتاح وفق رؤية الإسلام المعاصر، لتصبح من خلال نشاطها الدعوي المواكب لمتغيرات عصره، أكثر مرونة وتأثيراً من نظيرتها حركة (إخوان نجد) التي تأسست عام ١٩١١م، بتمويل من المخابرات البريطانية، عبر عبد العزيز بن سعود، مستغلّاً اعتناقهم مبدأ الجهاد، لمحاربة البدع والمنكرات، في عملية تحويلهم إلى جماعة وظيفية، تخوض الحروب وتنشر المعارك من أجل مشاريعه التوسعية، وإنشاء مملكته الطارئة، وكانت معاركهم خاطفة، واستراتيجيتهم تتسم بالتوحش والغدر والإرهاب، والقتل والتنكيل دون رحمة لطفل أو امرأة أو شيخ مسن، في عملية إبادة شاملة للإنسان، وتدمير وخراب وحرق للمكان، إمعاناً في المحو الكامل، وقد وصفهم السفير البريطاني – أنذآك – بقوله أنهم رسل الموت، وهذا الوصف كافٍ لمعرفة هذه الجماعة الوظيفية المتطرفة الإرهابية المأجورة، التي جعلت من جرائمها وتوحشها جسراً وصل ابن سعود بحلمه في إنشاء وتأسيس مملكته وسلطته وسيادته.
مهما يكن من أمر الاختلاف الذي قد يبدو بين حركتي (إخوان نجد) و(الإخوان المسلمين)، فلا مابين من اختار السلاح والقتل والإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافه، وتنفيذ رؤيته ومشروعه الإصلاحي، ومن تظاهر باختيار النشاط الدعوي والمحاضرات الإرشادية، سبيلاً لتبليغ دعوته ونشر مشروعه وفكرته، إلَّا أن اختلاف وسيلة التنفيذ لا يعدو كونه اختلافاً ظاهرياً، علاوة على أن (الإخوان المسلمين) قد أسسوا لهم جناحاً مسلحاً ضمن تشكيلات الحركة، ويمكن القول إن الحركتين تلتقيان على قاعدة مرجعية واحدة، هي العقيدة الوهابية التكفيرية، ولا فرق بين من أخذها حرفة، وتمثلها بحذافيرها، ومن أخذها بطابعها الأصلي، وقام بتعديلها وتخفيف حدة تعصبها، ليتماشى مع متغيرات الواقع، محتفظاً بما فيها من التطرف والإجرام لوقت الحاجة، كما أن رؤية الحركتين واحدة، وهي تكفير جميع المسلمين، وادعاء محاربة المنكرات والبدع، بما لها من مدلولات واسعة، إضافة إلى اشتراكهما في ظاهرة التدين الشكلي، والصعود على أكتاف الدين الحقيقي، بزعم حماية ورعاية الدين والمقدسات، ثم التحول إلى القتل في أبشع صوره باسم الله، وانتهاك الدين والمقدسات وتكفير المخالفين، وجعل الدين عصي لقمعهم، وشرعنة قتلهم، وهذا بدوره يعكس حقيقة وخطورة الدور الوظيفي الذي لعبته وتلعبه هاتان الحركتان في حياة المجتمع الإسلامي عموماً.
يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح – أو ما يطلق عليه اختصاراً حزب الإصلاح – أحد فروع حركة الإخوان المسلمين المنتشرة في معظم أرجاء الوطن العربي، وهو يصدر عنها نصاً وروحاً وأيديولوجية ومشروعاً ونهجاً، ولا يخرج عن رؤيتها قيد أنملة، خاصة في تبني العقيدة الوهابية التكفيرية في طابعها المتشدد، واعتمادها مشاريع الموت الوحشية والدمار والإرهاب، من ناحية، وتبني مشروع الرؤية الإسلامية المعاصرة في طابعها المتسامح ظاهريا، واعتمادها مشاريع التوعية والإرشاد، من ناحية ثانية، وتفاوت استخدامها لكلا المشروعين حسب الحاجة، وكما نجحت بريطانيا في تحويل (إخوان نجد) إلى جماعة وظيفية، عبر عبدالعزيز بن سعود، نجحت أيضاً بتحويل مملكة بن سعود إلى كيان وظيفي، يخدم المشاريع الصهيواستعمارية في المنطقة، من خلال الجماعة الوظيفية الجديدة (الإخوان المسلمين)، التي بلغ دورها الوظيفي ذروته، بوصولها إلى سدة الحكم في مصر، في عهد الرئيس محمد مرسي، أحد أبرز رموز الحركة وقاداتها، ولكنها سرعان ماسقطت عن عرش مصر، نظراً لتناقضها الحاد مع طروحاتها النظرية من جهة، وانقلابها
على مازعمت تبنيه من مسلمات وثوابت هي من صميم الدين، من جهة ثانية، وخروجها عن سياق اللباقة والدبلوماسية، في سياساتها الخارجية وعلاقاتها، من جهة ثالثة، إضافة إلى تحويلها منصب الرئاسة ملكية خاصة، للمرشد العام للحركة، ولتنفيذ مشروعها، والكلام بلسانها، وتعميم رؤيتها ومواقفها داخلياً وخارجياً، متجاهلة الغالبية العظمى من سكان جمهورية مصر العربية، بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم ودياناتهم وأعرافهم، ملغية حضورهم نهائياً، ورغم انتهاجها الدعوة السلمية ظاهرياً، إلَّا أنها، لم تنس طابعها السلفي، ولم تستبعد التيار الجهادي من تشكيلة تنظيمها، ولم تتورع عن التلويح باستدعائه وتفعيله إن لزم الأمر، ولولا حضور الجيش المصري بمكانته السياسية، والاجتماعية، لما استطاع الشعب المصري إيقاف تلك المهزلة السياسية، التي أثبتت فشل مشروع القيادة العالمية، وتناقضاتها الفاضحة.
كذلك الأمر بالنسبة لحزب الإصلاح، الذي سقط هو الآخر عن كرسي الحكم في اليمن، بذات الأسباب وبنفس الطريقة، وكان الشعب وثورته هما القوة الضامنة، لإسقاط آخر تمثلات الوصاية والتبعية، دون الدخول في فوضى عارمة، كما كان محتملاً ومؤملاً، ونظراً لفرط الحمق والحقد والغباء في معظم قيادات هذا الحزب، فقد تبنى العمالة والارتزاق علناً، وارتمى في أحضان العدوان الإجرامي الغاشم، مبرراً ذلك العدوان بشتى الوسائل والطرق، وصولاً إلى ممارسة العهر السياسي باسم الدين، وإصدار الفتاوي، التي تبيح دماء أبناء الشعب اليمني، وتبرر جرائم ومجازر العدوان بحق المدنيين الأبرياء، بأنها واجب ديني، وأنها بأمر الله، ليصل الذي تولى كبره منهم إلى إباحة دماء أربعة وعشرين مليون إنسان يمني، مقابل بقاء مليون، ويمثلون خلاصة الإجرام والتوجه الإرهابي لدواعش حزب الاصلاح.
ولم يتوقف الأمر عند الفتاوى والتأييد باللسان، بل قام هذا الحزب في تموضعه الوظيفي، باستجلاب جماعاته الإرهابية السلفية، انطلاقاً من روح عقيدتها الوهابية التكفيرية، وتوظيفها في قتال أبناء الجيش اليمني واللجان الشعبية في الحدود مع مملكة بن سعود، التي تستخدمهم دروعاً بشرية، إضافة إلى ارتكابهم المجازر المروعة، وحروب الإبادة الشاملة، بحق أبناء الشعب اليمني، كما فعلوا في الصراري وغيرها، على مدى ست سنوات من العدوان، وهم يمارسون التكفير والقتل والذبح والسحل والتمثيل، وأسوأ أنواع التعذيب، وأكثر الطرق وحشية وإجراماً، وأشد وسائل القتل تطرفاً وإرهاباً، جاعلين من أخيهم في الأرض والدين عدواً وخطراً وجودياً محدقاً بهم، ولا يتورعون عن إعلان ولائهم لليهود والنصارى والاستعانة بهم على قتل أبناء شعبهم، باذلين في سبيل ذلك كل غالي ونفيس، ومستعدين استعداداً تاماً للتنازل عن المقدسات – وقد فعلوا – إرضاء لليهود وطمعاً في نجدتهم، فلم تعد فلسطين تهمهم ولا الأقصى يعنيهم، ولا انتهاك الدين وتدنيس المقدسات يؤلمهم، وبالتالي فإن هذا التدين البراجماتي النفعي، المقيد برجحان كفة المصالح أينما كانت، قد أفقدهم قاعدة جماهيرية واسعة، ووضعهم في زاوية ضيقة من الحرج داخلياً وخارجياً.
لكن ذلك لم يثنهم عن ارتكاب المزيد من جرائمهم، وممارسة سلفيتهم ووهابيتهم بحق المدنيين الأبرياء، وليس ببعيد ما حدث لأسرة الشيخ محسن سبيعيان، التي تعرضت لعملية إبادة على أيدي دواعش الإصلاح في وادي عبيدة محافظة مأرب، حيث هجموا عليه في منزله، وقتلوه مع إخوانه وأطفاله ونسائه، ولم ينج من توحشهم وإجرامهم سوى طفل واحد، غير مكترثين بهول ما أقدموا عليه، على مستوى الدين وعلى مستوى القبيلة، التي تجرم وتحرم وترفض شناعة فعلهم، وتصنفه في خانة العيب الأسود، سواء استهداف المسالمين من الرجال، أو الإقدام على قتل النساء والأطفال، والسكوت على مثل هذا الفعل المشين والعيب الأسود في عرف القبيلة، يعد عاراً وشناراً ومنقصة وخزياً، يلحق الصامتين من أبناء القبيلة، ويبقى في أحفادهم جيلاً بعد جيل.
لهذا جاء موقف القبيلة مشرفاً، وقد تداعت جميع القبائل اليمنية، وأعلنت النكف القبلي من أقصى اليمن إلى أقصاه، كما تمليه عليها أسلافها وأعرافها، من إعلان التعبئة القصوى، والقيام بضربة قاصمة انتقاماً من المجرمين، وردعاً لمن تسوّل له نفسه الإقدام على مثل هذا الفعل المُشين مستقبلاً.
وبهذا يمكن القول إن إقدام عصابات دواعش حزب الإصلاح في مأرب على قتل أسرة آل سبيعيان، أصبح بمثابة المسمار الأخير في نعش دواعش حزب الإصلاح، وإيذاناً بزوالهم الحتمي من آخر معاقلهم، وتحرير مأرب من كل المحتلين وعملائهم، وبعد رحيلهم من الجوف ومأرب، وهم إلى زوال بعون الله، ترى ما هي وجهتهم التالية، وأين ستقوم بريطانيا والموساد الصهيوني بإعادة تدوير هذا الكيان الوظيفي الإرهابي الداعشي.