قدر الشعوب وحتمية الأسئلة

سمير حماد | كاتب وشاعر سوري

رحم الله أبا منصور الحلاج، لكأني به كان يسمع استغاثة آثارنا, في نمرود وتدمر والرقة وبابل والمعرة؛ حين قال: اقتلوني يا ثقاتي, إن في موتي حياتي.

لقد تجرّعت بلادنا الموت بشراً وحجراً لم تذق مثله في غابر الأزمان, على يد الطغيان التكفيري, الظلامي الهستيري, الذي أفرزته أخطاء المتأسلمين, وتأويلاتهم للمقدّس, نصوصا, وسلوكاً, ومقايسات ومقابسات.

من كان يظن أن الربيع الذي كانت تبشر به سنونوة واحدة, عند غيرنا من الأمم, سيكلف مجيئه إلينا ملايين الضحايا والمشردين, وكل هذا الخراب والدمار  والدماء النازفة على امتداد الأرض العربية والقادم أعظم.

من كان يظن أن هذا الربيع سيؤدي إلى تدمير الدول وتفكيك مؤسساتها وبنيتها التحتية وإزالة أطلالها وآثارها، وتحويل الشعوب إلى رعايا ولاجئين ومشردين في القارات الخمس.

من كان يظن أن هذا الربيع العربي, سيفضح الجلد المتعفّن, والجسد المسرطن, للأنظمة العربية, من خلال البثور المتقيحة التي ظهرت على شكل منظمات إرهابية إسلاموية تكفيرية, فتكت بالجسد والروح والعقل والقلب جميعا.

من كان يظن أن الربيع العربي سيدفعنا للاستغاثة بأمم أخرى تحارب عنا, وتقاتل باسمنا أعداءنا, وكأننا لا حول لنا ولا قوة، كي تدفع عنا الجراد الذي استباح كل شيء على هذه الأرض, كاشفا, ضعفنا, ومعريا ورقة التوت التي طالما تباهينا بها، مدعين أنها تخفي عورتنا, لكنها في الواقع لم تكن تخفي سوءة ولا عفة, ولا قيما نبيلة ندّعيها، ونباهي بها.

قدر الشعوب جميعا أن تنزلق في هاوية الشرور, قبل أن تمسك بخيوط النور, قدر أمتنا أن تشهد كوارث حقيقية, قبل أن تنبت فيها فكرة الخلاص.

هل من الضروري أن ينهار الواقع, وتتفجر البراكين والزلازل في وجوهنا, حتى ينضج السؤال.. ويتم طرحه؟

ومن يجرؤ على طرح الأسئلة؟.. فالأسئلة دائما محاطة بالأسلاك الشائكة, يُمنع طرحها, أو النظر والتحديق فيها, محروسة بالجنود وكُتَّاب السلاطين, تهدّدُ بالقتل كل من يحاول طرحها، أو نبشها من تحت الأنقاض, أو نفض الغبار عنها, أو نزع الألغام من حولها.

ويل لمن يحاول الاقتراب من منطقة السؤال.. لا يجوز الاقتراب من منطقة الحقائق الكبرى.. قِلَّةٌ من حاولوا الاقتراب,،،، تذكُّروا ابن المقفع, غاليلي, وطه حسين.. وما الثمن الذي دُفِعَ؟

الكارثة وحدها قادرة على حلحلة السؤال, وهي وحدها القادرة تعرية الواقع عبرالاسئلة.. الكارثة وحدها قادرة على إماطة اللثام عن دواعي ما يجري, عبر الأسئلة.. متى تنبثق الأسئلة عندنا؟.

لا فكر بلا أسئلة.. ولا حقيقة بلا أسئلة.. لأن السؤال يعرّي ويفضح, وكل فكر لا يقوم على السؤال, ولا ينبش, أو يعري الواقع, ليس فكراً..

ما ينتظره الواقع الذي نتخبط فيه دمارا وموتا وتشريدا, هو الأسئلة التي تلد الفكر الفضائحي, لأن الأرض العربية عطشى للحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى