سيف الظلم المسلَّطُ على الأطفالِ

فاطمة محمود سعد الله | شاعرة وناقدة من تونس 

جاء في قاموس ” لسان العرب لابن منظور” أنّ الظلمَ هو :” وضعُ الشيْء في غير محله” . فأن نضع طفْلا محلّ البالغين إذا يعتبرُ ظلما.،كذلك يواصل صاحب لسان العرب فيقول :”أصل الظلم هو الجوْرُ ومجاوزةُ الحدّ”. هكذا إذا يرى أن الظلم هو انحرافٌ عن الحقِّ واجتناب العدْل..
وهذا السلوك مؤذٍ لما فيه من حيْفٍ وقهْرٍ للمظلوم وغبْنٍ لحقوقه.وكلُّ من سُلّط عليْه هذا الضَّيْم إذا كان حرّآ أبىَّ النفْس واعيا بحقوقه وواجباته متمسّكا بها سيرفضُ هذا التعدّي وسيتمرّدُ على هذا السلوك العدائي بل سيثور على من سلَّطه عليْه حتّى يستردَّ حقوقه أو يموتُ دونها ولكن ماذا لوكان المظلومُ طفلا؟ ماذا لوكان الظلمُ سلاحا ذا حدَّيْن؟ كيف له أن يرفض أو أن يدرك ذلك؟ من له ليشدّ إزره ليقاوم الأهل والمجتمع وسكوت المؤسسات على هذا الضيْم والحيْف؟
الظلم المسلّطُ على الطفل وهو لا حوْل له ولا قوّة هو من أبشع أنواع الظلم وأشدّها وقعًا وقهرا ، لا عليه فحسب بل على المجتمع فيما بعد.فما المجتمع إلا مجموعة أفراد ،وكلما كانوا أسوياء كانت صورة المجتمع سليمة وسويّة.

فرغم تحديد حقوق الطفل في الحياة الكريمة والتعليم والنظافة والصحة واللعب وانتهاج أساليب تربوية متحضرة بعيدة عن العنف اللفظي والجسدي ُإننا مازلنا نرى ونسمع العجب العُجاب.
نرى الآباء يُعنّفون أبْناءهم أو يحرمونهم من الدراسة وحقهم في التعليم بل يتجنَّوْن على حقهم في اللعب والاستمتاع بطفولتهم.فيزّجون بهم في أتون العمل رغم تنديد منظمة حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الإنسانيه التي نادتْ بالرّفْق بالحيوان فما بالنا بالإنسان وخاصة إذا كان طفلا.
هل يعلمُ بعضُ الآباء أنّ أنانيّتهم هي التي تحرّكهم عندما يتسبّبون في انقطاع أبنائهم عن الدراسة وإرسالهم إلى العمل في ورشاتِ النجارة والحدادة وغيرهما من الأعمال الشاقّة على طفل غضّ العود مازال في سنّ اللعب والتعليم؟

وهل أحسَّ هؤلاء الآباء بمعاناة أطفالهم عندما يتعرّضون إلى التحرّش الجنسي والاغتصاب ذكورا وإناثا من مشغّليهم؟ وفي أحسن الأحوال يعاملون معاملة سيّئة فيضربون وتكالُ إليهم الشتائمُ والإهانات بسبب أو بغير سبب ،وكم كلّفوا بأعمال فوق طاقاتهم الجسدية وتتجاوز حقول مداركهم الوجدانية والفكرية. ولا أحدَ يلاحظُ ماهم عليه من هزال لسوء التغذية والإرهاق ولا شيْء يهمّ سوى النقود التي سيغنمها الأباء أو الأعمال التي ينجزها الطفل ليرضى مشغّله/معلّمه.
أمّا إذا أزحنا الستار على معاناة الإناث من الأطفال فما ينتظرنا سيصعق الفكر والوجدان. فأشكال الظلم المسلط عليهنّ كثيرة ومؤلمة.

تجبرّ الطفلة على الانقطاع عن الدراسة لتلتحق بقطيع العاملاتِ في البيوتِ أوللزواج .نعم عمرها القليل وجسدها الغض وفكرها الذي مازال برعما لم يتفتح ومشاعرها التي لا تعرف سوى حب الأبويْن والإخوة ،كل هذا لا يمنعها من أن تحوّل إلى دميةٍ / عروس كعرائس الحلوى يتلهّى بها شيخٌ متصابٍ أو كهْلٌ في أعتى عنفوانه.طفلة في عمر الورد، تدرس وتعود ركضا خلف الفراشات لتلتهم لمجة ثم تلتحق بصويْحباتها لينعمن باللعب واللهو البريء تجد نفسه في سيارة تحملها بعيدا لتعمل عند إحدى الأسر الميسورة، نبتة غضة طريّة تقتلع من جذورها فهل ستجد التربة التي ستحضنها والماء العذب الذي سيرويها؟

طفلة في عمر الفرح والمرح تجد نفسها زوجة رجل في عمر أبيها أو أكبر ، ماذا تعرف عن الزواج والأسرة والمسؤوليات؟ وهل اكتمل تكوينها الجسدي أو نضجها الوجداني والفكري كي تلقى على عاتقها هذه المسؤولية العظمى ؟

تكوين أسرة وتلبية حقوق زوج دون أن تفهم شيئا منها .وأيُّ زوج هذا الذي يرضى بالتلهّي بطفلة؟

أيُّ ظلم أبشع من أن تحمّل طفلةً علاقة وحشيّة لا تفقه منها شيئا؟

كثيراتٌ ممن أجبرن على الزواج المبكّر أصبن بصدماتٍ نفسيّة قضتْ على مستقبلهنّ وكم منهنّ من أصيبت بتشوّهات جسديّة أثرتْ على حياتها الإنجابية فكان مصيرها العقم أو البرود الوجداني لأنّ هذا الزواج كان شكلا من أشكال الآغتصاب..اغتصبت طفولتها وبراءتها قبل جسدها.

هل فكّر الأباء فيما ستعانيه الطفلة في بيت مخدوميها من صغار واستعباد وإهانات لفظية وعنف جسدي يصل إلى الاغتصاب في بعض الحالات؟

من المسؤول عن هذه الأوضاع المتردّية للطفل في بلداننا العربيّة؟وإلى متى نرى هذا التوحش مستشريا في مجتمعاتنا؟

المنظماتُ الانسانية حددتْ حقوق الطفل ،والمؤسساتُ الحكومية تعاقب من يخترق القوانين وبعض المنظمات الاجتماعية والخيرية فتحت دورا لرعاية أطفال الشوارع واليتامى وفاقدي السند والمعنَّفين والمستغَلّين جسديا وجنسيا وسعت إلى إعادة التأهيل لمن هو في حاجة إلى ذلك ومع ذلك ما زلنا نرى ونسمع عن أطفال خُطفوا واغتصبوا بل بعضهم يقتل كي لا يفتضح أمر الجناة .
ومازلنا نرى أطفالا يعملون أعمالا شاقة لا طاقة لهم بها في الوقت الذي كان من المفروض أن يرتادوا المدارس والمنتزهات ومدن الألعاب حتّى ينشأوا أسوياء متوازنين.لذا أتوجه بالنداء إلى كل من بيده القرار أو لديه القدرة المادية أو القانونية أن ينقذوا الطفولة من هذا الظلم . ” فأولادنا هم فلذاتُ أكبادنا تمشي على الأرض” كما قال أحد الشعراء . وأبناء الوطن وأبناء الإنسانية جمعاء هم فلذات أكبادنا ،أتمنى أن تصحو الضمائر المؤمنة بأن الطفل له حقوق اليوم والتي ستتحول إلى واجبات غدا إذا وجد الرعاية والحماية ورفع عنه الضَّيْم.

وهذه الهدية الشعرية إلى كل ضحية من ضحايا الزواج المبكر

ــــــــــ الدمية مطلقة ـــــــــــ

أ ميْمتي ..دثريني ..
من جليد بات يجتاحني ..دثريني ..
زمليني ..
براءتي احترقتْ ..
في شراييني ..
تحت صخور ثقله ..وأنيني ..
أمــّـــتا ..جسدي الضعيف ..اغتاله
ذاك اللعين ..فأبّــنيني ..
ابنة العاشرة ..أنا ..
دمية مكسورة ..أنا ..
أعود إليكِ..
وقد أخذ مني جواهري ..
جواز عفتي ..
فعل بي ..ماحذرتني منه ..فاعذريني ..
سنواتي العشر ..
عرائسي..
لوحي ..
فراشاتي ..وركضي بين البساتين ..
كلها ذُ بِحتْْ ..
كلها صُــلِبتْ ..
فلا تلوميني ..
انفرط العقد الذي أهديتني ..
بدّد الكنز الذي به ..
أوصيتني ..
ســــــا محيني ..
عروس مطلقة ..أنا ..
شظايا دمية ..أنا ..
أعود إليكٍ ..فضميني ..
لم أنسَ الحقل والفراشاتِ..
لم أنسَ الركضَ واللداتِ..
ولكن ..
كيف أمحو بصماته؟
دليني ..
كيف ألملم شظاياي ..؟؟
أميْمتي ..أدركيني ..
طهّريني من رجسٍ أصابني ..
طهّريني ..

/ 12/7/2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى