الحق في التديّن مكفولٌ؛ ولكن!!

حازم القواسمي | فلسطين

 إن فكرة التديّن ليست فكرة جديدة بل فكرة قديمة جداً. فمنذ أن وعى الإنسان الأولي ظروف حياته وبدأ باكتشاف الكرة الأرضية والتعرّف على أنواع الحياة والبراكين والأنهار والبحار والمحيطات وشاهد العواصف والبرق الرعد والفيضانات، ولمس قوة وعظمة الطبيعة بشقّيها الغاضب والجميل، لاحت له فكرة وجود قوة عظمى وراء هذا الوجود وتنظيمه الدقيق. وراقت له فكرة الإله أو الآلهة وبدأ يعبد الشمس تارة والقمر تارة أخرى. وعبد الناس النجوم والحجر والشجر والحيوانات والنار وحتى البشر. وكان هناك إله الخير وإله الشر وإله المطر وإله العواصف وتعددت الآلهة على مدار آلاف السنين، وكل لها اسمها وصفاتها. وكان الناس يتقربون من الآلهة ويقدمون لها القربان والأضحيات من أجل كسب رضاها وإبعاد غضبها وسخطها عنهم. وكانت صلاتهم للإلهة والتقرب منها يأخذ عدة أشكال، فكان الناس يضحون بكل ما هو غالي عليهم لأنه لا يغلى على الآلهة. فضحّوا بالغالي والنفيس مثل الذهب والحيوانات التي يقتنوها وحتى أن بعض القبائل كانوا يضحون بأولادهم فيرموهم عن الجبال أو في البحار أو يقتلونهم ويرموهم في النار.

وقد لجأ الناس قديما لفكرة التدين من خلال التأمل في السماء والدعاء والخلوة والتواضع والتفرد والزهد في الأرض والابتعاد عن ملذات الدنيا ومتاعها. فلم يكونوا يعرفون الكثير عن هذه الدنيا وعن الفضاء والنجوم وعلم الفلك. وكان الناس يرون في السماء والفضاء ذلك الغموض الذي يحوي عوالم وحياة لا يحدها حدود وليس لها عدد محدود، وتركوا خيالاتهم تحلق بين تلك النجوم وتنشأ عوالم وكائنات بأشكال عجيبة وقدرات خارقة ليست موجودة على الأرض.

وكانت وما زالت الناس تؤمن بالمعجزات والغيبيات، فيؤمنون بحياة بعد الموت، وبالجزاء والعقاب حتى يتحقق العدل الذي لا يتحقق في الدنيا. وفي هذا نظر للمثالية التي قد لا تتحقق على الأرض، بل قد تتحقق فقط في الأساطير والروايات. وهناك من ينظر للديانات على أنها بحث فلسفي في الفيزيقي والميتافيزيقي وفي الدنيا التي نراها والتي لا نراها. وهناك من يرى في التدين أمر فطري، مبني على الخوف والحاجة للطاعة لقوى خفية أكبر من قوة الإنسان المحدودة. أو أن التدين بحث في اللامحدود أو الغوص فيه باجتهادات فردية تأخذ صاحبها إلى آفاق بعيدة من صنع ترليونات العصبونات الدماغية البيولوجية.

فالديانات أو الايمان بالآلهة، كانت على مدار التاريخ وحتى يومنا هذا، عبارة عن وصايا للخير، والابتعاد عن الشر وأذية الناس. وهي تتمثّل بأوامر بما يجب أن يفعله الناس وما لا يجب أن يفعلوه. وهناك ديانات ارتبطت مباشرة بالإله، وهناك ديانات انتقلت للبشر من الإله عن طريق الرسل والأنبياء كما في الديانات السماوية الثلاثة. وتلك الرسل تركت الكتب السماوية ليستدل بها الناس وتكون مرجعية لهم بعد وفاة الرسل. وهناك ديانات تعتبر توجيهية عامة للخير، وهناك ديانات تدخلت في تفاصيل حياة الإنسان اليومية في بيته وفي عمله وفي ربحه وفي لبسه وطريقة قص شعره وفي طريقة نومه مع زوجته. لذلك، كل دين له خصوصيته، وله أتباعه المقتنعون به، حتى من يعبدون البقر والفئران في الهند لهم مسوغاتهم التبجيلية لتلك الحيوانات ومبرراتهم لتقديسها.

وكل دين يعتبر نفسه أنه الدين الوحيد الصحيح، وأن إلهه هو الإله الصحيح. ولا يعترف بالديانات الأخرى، وإن اعترف ببعضها يقول عنها مزورة أو تم تزويرها. وهناك إحدى عشر ديانة حية اليوم في عالمنا وهناك ديانات اندثرت ولم يعد لها أتباع، كما أنه ما زال هناك الآلاف من الآلهة التي يعبدونها الناس خاصة في إفريقيا وشرق آسيا. وهناك ملحدون لا يؤمنون بأي من الديانات أو الآلهة ولا يؤمنون بوجود خالق، وهم بمئات الملايين. إن التدين هو حق شخصي وحرية شخصية يجب احترامها وعدم التصدي لها أو الانتقاص منها. فكل شخص له حقه في التديّن أو عدم التديّن، وعلى الجميع احترام خيارات الجميع، وعدم التقليل منها أو تحقيرها. والمهم أن تنشر الديانات المحبة والخير والاحترام والتسامح والمساوة والسلام، لا أن تنشر الكره والحقد والضغينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى