دعوة لتفعيل التقرير الأممي الخاص بحقوق الإنسان في فلسطين
علي أبوهلال | محاضر جامعي في القانون الدولي | فلسطين
قدم البروفيسور مايكل لينك، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان، في الأرض الفلسطينية المحتلة، منذ عام 1967 في الرابع عشر من شهر تموز الجاري، تقريره السنوي حول سياسة العقاب الجماعي التي تتبعها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وذلك أمام الدورة الرابعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
وأشار التقرير أن سياسة الاحتلال تنطوي على انتهاكات خطيرة ضد الفلسطينيين بما في ذلك الحق في الحياة، وحرية التنقل، والصحة، والمأوى المناسب ومستوى المعيشة اللائق. ووصف التقرير ممارسات دولة الاحتلال “إنها لإهانة للعدالة ولسيادة القانون، أن نرى أن مثل هذه الأساليب لا تزال تستخدم في القرن الحادي والعشرين وأن معاقبة الفلسطينيين الجماعية على أفعال قلة لا تزال تستمر”.
وجاء في التقرير أن دولة الاحتلال، القوّة القائمة بالاحتلال، فشلت في الوفاء بالتزاماتها القانونية وأكدّ أنها تعتمد وتلجأ إلى سياسة العقاب الجماعي باعتبارها “أداة بارزة في أدواتها القسرية للتحكم في السكان”.
وقدّم التقرير تحليلًا قانونيًا موسعًا بشأن العقوبات الجماعية، مسلطًا الضوء على بعض سياسات وممارسات الاحتلال الممنهجة التي تصل حد العقاب الجماعي. وفي نهاية تقريره، قدم لينك مجموعة من التوصيات داعيًا دولة الاحتلال إلى “إنهاء جميع تدابير العقاب الجماعي بما في ذلك إنهاء الإغلاق الإسرائيلي على غزة، ورفع جميع القيود المفروضة على حرية التنقل في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، والتوقف عن هدم المنازل كإجراء عقابي، ووقف ممارسات سحب الإقامة [الدائمة في القدس] وقطع الإعانات وإغلاق البلدات كإجراءات عقابية، ووضع حد للتأخر في تسليم جثامين الفلسطينيين تمهيدًا لدفنها.
وأكد التقرير على أن سياسة دولة الاحتلال المستمرة والمتبعة منذ زمن طويل، تتمثل في فرض عقوبات جماعية بهدف السيطرة والهيمنة على الشعب الفلسطيني، للحفاظ على نظامي الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي، مع استمرار معاناة الفلسطينيين من غياب العدالة والمساءلة الدولية، بما في ذلك لدى المحكمة الجنائية الدولية، “لتستمر دولة الاحتلال في الانتفاع، بغير حق، من ثقافة الإفلات من العقاب.”
وأشار التقرير أن المحاكم الإسرائيلية شرعنت ممارسات العقاب الجماعي الإسرائيلي، بما في ذلك عمليات الهدم العقابية واحتجاز الجثامين، حيث لعبت المحكمة العليا الإسرائيلية دور مركزي في شرعنة ودعم سياسات وانتهاكات دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وحول الإغلاق غير القانوني لقطاع غزة المحتل، شدد التقرير على أنه منذ 13 عامًا، يتعرض الفلسطينيون في غزة لممارسات وسياسات العقاب الجماعي الإسرائيلية مثل الإغلاق غير القانوني على القطاع الذي يقوّض كل جانب من جوانب حياتهم ويحرمهم من حقوقهم غير القابلة للتصرف، حيث يقدم هذا التقرير اعترافًا آخر “عن عدم مشروعية هذه السياسات الإسرائيلية.”
ودعا التقرير إسرائيلَ إلى التوقف الفوري عن جميع الأعمال التي ترقى إلى العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، حيث يتضرر الملايين من الأبرياء يوميا، وأشار أن الأثر الفعلي للإغلاق كان تدمير اقتصاد غزة، مما تسبب في معاناة لا حدود لها لمليوني نسمة، كما شدد على أن حظر العقاب الجماعي منصوص عليه بشكل واضح في القانون الدولي الإنساني من خلال المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، قائلا إن هذه المادة “لا تسمح بأي استثناءات”.
انتقد التقرير سياسة إسرائيل المستمرة في هدم منازل الفلسطينيين بشكل عقابي، حيث أشار إنه “منذ عام 1967، دمرت إسرائيل أكثر من 2000 منزل فلسطيني، مصممة على معاقبة عائلات فلسطينية على أفعال ربما ارتكبها بعض أفرادها، لكن تلك العائلات نفسها لم ترتكب أي شيء. وأكد أن هذه الممارسة تنتهك بشكل واضح المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة.”
وأشار التقرير “أن المحكمة العليا الإسرائيلية، لا تزال تعتبر عملية هدم المنازل الفلسطينية “رادعاً مسموحاً به”.
وأكد التقرير أن العقاب الجماعي -في جميع الحالات- محظور بموجب القانون الدولي، ولا توجد استثناءات مسموح بها لاستخدام العقاب الجماعي في القانون. إذ أنه نبًه بأن العقاب الجماعي “مثل التعذيب، لا توجد استثناءات مسموح بها لاستخدام العقاب الجماعي في القانون. ومثل التعذيب، فإن استخدام العقاب الجماعي ينتهك القانون والأخلاق والكرامة والعدالة ويلطخ كل من يمارسه.”
وخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات، تتضمن ما يلي:
مطالبة حكومة الاحتلال بالامتثال للقانون الدولي وتوافق الآراء الدولي من خلال وضع حد كامل وسريع لاحتلالها للأرض الفلسطينية منذ 53 عامًا.
وإنهاء جميع تدابير العقاب الجماعي بما في ذلك إنهاء الإغلاق الإسرائيلي على غزة، ورفع جميع القيود المفروضة على حرية التنقل في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، والتوقف عن هدم المنازل كإجراء عقابي، ووقف ممارسات سحب الإقامة وقطع الإعانات وإغلاق البلدات كإجراءات عقابية، ووضع حد للتأخر في تسليم الجثامين تمهيدًا لدفنها.
واتخاذ المجتمع الدولي جميع التدابير، بما في ذلك التدابير المضادة والعقوبات، اللازمة لضمان احترام دولة الاحتلال لواجبها بموجب القانون الدولي لإنهاء الاحتلال، تماشيًا مع التزامات المجتمع الدولي القانونية الدولية التي تخص مسؤولية الدول.”
لا شك أن تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان، في الأرض الفلسطينية المحتلة، حول سياسة العقاب الجماعي التي تتبعها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، يعتبر وثيقة قانونية هامة، ويشكل مرجعا قانونيا هاماً على الصعيد الدولي، يمكن الاستناد اليه في إدانة ومحاسبة إسرائيل ” السلطة القائمة بالاحتلال” في كافة المحافل الدولية.
فهذا التقرير يصف بكل جرأة وشجاعة، ممارسات وسياسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتبرها مخالفة للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ومبادئ حقوق الانسان، كما خلص إلى مجموعة من التوصيات الهامة التي تستدعي التطبيق العملي حتى لا تبقى مجرد تمنيات لفظية.
لقد أدان المجتمع الدولي على الدوام انتهاكات وممارسات وسياسات العقاب الجماعي التي تتبعها دولة الاحتلال، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن هذه الإدانة اقتصرت على الإدانة اللفظية، وبقيت بدون خطوات عملية جادة، ما أفقدها القدرة على وضع حد لهذه لجرائم، ومعاقبة مجرمي الحرب الذين يرتكبونها، ما يقتضي من المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته الفعلية وواجباته القانونية والعملية، والانتقال من موقف الإدانة والشجب، إلى موقف الملاحقة القانونية والقضائية، لإنهاء الاحتلال ولوضع حد لجرائمه المستمرة، وتقديم مرتكبيها للمحاكمة لدى القضاء الدولي وأمام المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يفلتوا من العقاب الذين يستحقونه.