قراءة نقدية  في مجموعة “وما زال القطار يسير” لعبد السلام العابد

رائد محمد الحواري | جنين – فلسطين

جميل أن نجد من يتقدم لكتابة القصة في زمن توحش الرواية، فهذه تعد مغامرة، ومحدودة النجاح، ومع هذا نجد هناك من يكتب القصة والنصوص النثرية متجاوزا (الموضة) وما هو سائد، “عبد السلام العابد” من الذين وجدوا أنفسهم في القصة، لهذا يكتبونه.

 اللافت في هذه المجموعة تسمية شخصيات القصص في غالبية المجموعة، وتحديد الزمن/الشتاء في العديد منها، وبخصوص المكان فنجد المخيم، والقرية، والمدينة، والكويت والعراق وعمان، أما طريقة القص فكانت تتراوح بين القص الخارجي، وأنا القاص، وتداعي ضمير المخاطب، كما تباين حجم القصص، منها ما جاء بصفحتي ومنها ما وصل إلى تسع صفحات، أما المواضيع فمنها من تحدث عن الاحتلال، ومنها من تحدث عن هموم الغربة، ومنها من تحدث عن غياب الأم أو الأب، والجامع/الموحد فيها اللغة البسيطة والسهلة التي اعتمد القاص.

سنحاول أخذ نماذج من المجموعة لتبيان ما جاء في السابق، في قصة “دعوة” يحدثنا القاص عن “أبي نادر/أحمد   حمدان” الذي تطلبه مخابرات الاحتلال لتسأله عن صندوق قديم للجيش كان قد باعه قبل عام،  وبعد المقابلة يستنتج: “كان علي أن أذهب دون خوف، فكل إنسان معرض لهذه الدعوة، وحتى لو لم يبع برميلا أخضر قديما!!؟..” ص15، القصة قدمت بطريقة سلسة بعيدا عن الحشو والاتخام، لهذا يتناولها القارئ بسهولة ومتعة، وما يحسب لهذه القصة،  رغم فكرتها (القاسية)، إلا أن تركيز القاص على علاقته  الحميمة مع “أبو نادر” أزالت القسوة وجعلت القصة تقدم فكرة قاسية بشكل ناعم وهادئ، وهذا ما يحسب للقاص وللقصة.

أما في قصة “قلب وقصيدة” فقدمت من خلال القاص الخارجي، والتي تحدثت عن الفرح الذي يمنحه الأدب للقارئ ولمتذوقه.

 وفي قصة “سالم يدق على الجدار” يحدثنا “سالم” عن وصايا الأب له، وعلى ضرورة تجنب  كل ما هو سياسي، فمهمته تكمن في التخرج من الجامعة، فهناك مجموعة أمثلة اعتمدها في ترسيخ فكرة الابتعاد/الحياد منها:  “أمشي الحيط الحيط  وقول يا رب السترة” ص23، “لسانك حصانك إن صنته صانك، خذ ما تعطش” ص25، ورغم هذا الحياد المعتمد على أمثال، إلا أن “الاحتلال يعتقل “سالم” بعد أن يقوم بضربه  بقسوة، وفي المعتقل يصل إلى ثقافة جديدة تتناقض مع مفاهيم الأب الجامدة والمتحجرة: “من كوة الزنزانة الضيقة، استطعت أن ألمح رسوما وتواريخ وأسماء وأبياتا من الشعر، شرعت أرددها وأتغنى بها. واعترتني موجات من الفرح والأمل والشوق والسرور، عندما رأيت نفسي إنسانا جديدا” ص29، هذه المفاهيم استطاع سالم أن يعيد بناء ذاته، بعد أن علم أن لا هدنة، لا حياد مع الاحتلال.

واللفت في هذه القصة (واقعيتها)، من خلال ذكر  “سالم” لمدينة نابلس: “غدا سيغلقون الجامعة، أسبوعين على الأقل، إذن علي أن أغادر نابلس متوجها صوب قريتي الهادئة” ص24، فمن خلال هذا المقطع يشعر القارئ أن القصة حقيقية ونتيجة تجربة واقعية، وهذا ما يسهل وصول فكرة المقاومة ويرسخها أكثر في عقل القارئ.

في قصة “ليلة شتوية” تحدث القاص عن اقتحام جنود الاحتلال لمنزل أبو مصطفى وكيف تمكنت زوجة مصطفى وأسرته من التكتم على مكان وجوده وأقناع الجنود بعدم معرفتهم بمكانة، وفي قصة “صورة” نجد تقرب في المضمون والشكل مع قصة “ليلة شتوية” حتى في الزمن “أعود بذاكرتي إلى تلك الليلة الماطرة” ص41، لكن ضمن أحداث جديدة حيث يستشهد “خالد” لكن المكان متماثل “قرية”،  فتعدد المشاهد  في تقديم القصة يخدم الفكرة، ويؤكد  قدرة القاص على الولوج إلى مشاهد وصور عديدة، بمعنى أنه صاحب خال خصب.

في قصة “بلاغة الصمت” يستخدم تداعي ضمير المخاطب، والتي تتحدث عن عملية ابعاد “جهاد” عن الوطن، أما قصة “غربة” فجاءت كمشهد أضافي على قصة “بلاغة الصمت” حيث تحدثت عن هموم  المغترب/الاغتراب عن الوطن.

وأيضا في قصة “حدس” نجد مشاعر المغترب والألم الذي يعيشه في الخليج.

في قصة “السفر الطويل” يحدثنا “أبو قيس” عن حرب الخليج وكيف أن الفلسطيني خسر الكثير عندما وضع كل البيض في سلة “الكويت”: “… لم أتمكن من المغادرة فأموالي موجودة في البنك، وبيتنا موجود في الضفة الغربية، وبسبب خروجنا من البلد قبل الاحتلال، فإننا لن نتمكن من العودة إلا بتصريح زيارة” ص64، وأثناء قدومه إلى الأردن يتم اصابة الباص بقذيفة صاروخية وتقل زوجته وابنه: “وخلال ثواني كان اباص الصغير منشطرا إلى قسمين، كانت زوجتي تحتضن قيسا والدماء تتدفق من جسمها.. .كانا لفظا أنفاسهما الأخيرة” ص67و68، واللافت في هذه القصة  تلاقيها مع رواية “رجال في الشمس” حيث الموت كان مصير الفلسطيني، لكن في القصة كان الموت جزئي وليس كالي، فقد نجى أبو قيس وبقية أولاده من الغارة.

وفي قصة “شيء من عذابات الغربة” أيضا يحدثنا عن  الكويت هموم الغربة.

أما قصة العنوان “وما زال القطار يسير” فيحدثنا “معروف محمد حسن” عن هجرته لعين حوض قضاء  حيفا، ووصوله إلى  مخيم جنين، وعن اسرته: ” حاتم موظف  في الأمارات، عائد كان فدائنا التحلق بالثورة وعاد مع الأخوة العائدين إلى فلسطين، وخالد شهيد استشهد أثناء الانتفاضة، وهذا جواد كان معتقلا في سجون الاحتلال وهو يعمل في هذه المكتبة، أما كرمة فإنها تعمل معلمة ومتزوجة ولها بنات وبون،، سميرة ما زالت طالبة في الثانوية العامة” ص80و81، الجميل في هذه الأسماء تطابقه مع الفعل/الحالة التي حدثت، “حاتم” اسم (عادي) يعمل في الامارات، عائد عاد مع العائدين، خالد استشهد، فكان مع الخالدين “المجد والخلود”، “جود معتقلا” فهذا التناغم بين الاسم والحالة اعطي القصة لمسة جمالية  وناعمة.

في قصة “الخروج من لكفرين”  يتحدد الحاج إبراهيم”  عن الهجرة من الكفرين ويتذكر الزمن الجميل: “نتحلق حول كانون النار ونتبادل اطراف الحديث” ص83، فالهجرة مرة وقاسية لهذا استنتج هذه الحقيقة: “ليتنا متنا هناك ولم نشرد” ص87، فهذه دعوة ـ غير مباشرة، حيث جاءت من خلال قصة وعلى لسان أن شخوصها ـ لكل من يحاول الخروج من الوطن.

في قصة “الصوت الذي غاب” تتناول فقدان الأب، وفي قصة “صباح الخير” استخدم القاص تداعي ضمير المخاطب،  والتي تتحدث عن فقدان الأبن، وفي قصة “الأم” تتحدث عن استشهاد الأم، ونجد المحتل جاثما على الأرض في  قصة “الراعي”، وفي قصة “مساء آخر” والتي استخدم القاص تداعي ضمير المخاطب، وتحدث فيها  هموم رب الاسرة، وكذلك الأمر في قصة “موعد مع الفرح” والتي تحدث فيها عن الفلسطيني وصراعه مع المحتل: “تتذكر ابنك مجد، فتندر من عينك دمعة، ارتقى إلى العلا…كان يردد: “التراب يستحق منا الكثير” ص112.

في قصة “في هدأة الليل” يتحدث القاص عن تفجير بيت أو حسان، ويحدد الزمن بفصل الشتاء: “الجيران يفتحون نوافذ بيوتهم على اتساعها، جحافل البرد تطرد دفء البيوت،  والريح تعصف في الحجرات المهجورة” ص116، في قصة “فرحة مؤجلة”  يتحدث القاص عن “الخالد” الذي اعتقد أنه استشهد في المخيم، لكن يتبين أنه حي، أما في قصة “البستان صباحا” فهي اكثر قصة تم فيها ذكر المكان: “تلك القرى التي ترونها هي عرانة، عربونة، فقوعة، جلبون، دير غزالة، … صندلة ومقيبلة وسالم، وتلك المدينة الكبيرة المستلقية على عدة جبال هي الناصرة المشهورة، …قدم التجار من رام الله والخليل وبيت لحم والقدس” ص128و129، فبدت القصة وكأنها توحد فلسطين التاريخية من شمالها لجنوبها، المجموعة من منشورات مكتبة كل شيء، حيفا، الطبعة الأولى 2018.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى