عن المقاومة السلمية والأهداف
د. خضر محجز | فلسطين
اللوحة للفنان سلفادور دالى
أولاً: واقعية سياسية:
المقاومة السلمية نجحت، في بلدان يتطلب تحقيق هدفها حداً أدنى، من الواقعية السياسية والاجتماعية. فأنت حين تخوض مقاومة سلمية ـ بالحجارة أو المقاطعة الاقتصادية ـ إنما تعلن بهذه الطريقة اعترافك باستحالة تحقيق انتصار عسكري على الخصم.
إذن فانت تريد من الخصم أن يضطر إلى تقديم بعض التنازلات، التي يمكنه أن يقدمها. وليس ممكناً ولا واقعياً أن تخوض مقاومة سلمية، بهدف تحقيق القضاء على الخصم، فيزول من الوجود؛ لأنه عندئذ سيحاربك بأظفاره وأسنانه حتى الجدار الأخير. دع عنك ما لديه من أسلحة تفوق كل ما يمكن لك أن تفكر ـ مجرد تفكير ـ في الحصول على مثله، أو أدنى منه قليلاً.
إذن فالمقاومة السلمية تحمل في طياتها ـ بل وهو شرط لها ـ أن تعترف مسبقاً بقبولك بالتعايش مع الخصم، وفق تقاسم ما، تطمع أن يكون أقل إجحافاً. ولهذا فأنت مطالب بتفعيل كل قوى الواقعية الإنسانية، في صفوف شعب الخصم، لتبحث عمن يؤمن بفكرة التعايش معك من شعب الآخر، ويدعمك في ذلك المجتمع الذي تسعى للتعايش معه على أسس جديدة. أما أن تعلن مقاومة سلمية هدفها زوال العدو من الوجود، فهذا مجرد واحد من أمرين:
1ـ إما أنك تخدع جماهيرك عن الهدف الحقيقي، وتبتغي أن يبذل الناس دماءً هائلة لا يؤمنون بدفعها لتحقيق هدف صغير، أنت في الحقيقة تسعى نحو تحقيقه عن طريق خداع المقاومين.
2ـ وإما أنك أيديولوجي مجنون، تريد خوض حرب مستحيلة، بدماء الشعب، لتبقى حياً وحدك.
ثانياً: محددات:
وبما أنك تعلن خوض حرب سلمية ضد الخصم، فيجب أن تتعامل وفق الآتي:
1ـ لا تصف عداءك معه بأنه عداء وجود.
2ـ لا تستخدم أدوات عنيفة في احتجاجك.
3ـ احرص على أن تبدو، أمام شعب الخصم، بالذي يريد أن يطالب بشيء يسير لا يهدد كيانه.
4ـ عليك أن تبدو أمام وسائل الإعلام مظلوماً، كما أنت في الحقيقة، لا أن تبدو متوحشاً معتدياً كما تبدو في الصورة.
5ـ لا تدع الخصم يجرك إلى أن تعلن تصريحات هوجاء، تهدد بما لا يكون، وتؤلب عليك مجتمع الخصم.
6ـ ركز على عرض نواحي الضعف الإنساني لدى شعبك. فمن الحمق أن تبدو منتصراً. فشعب الخصم لا يمكن أن يؤيد انتصارك على دولته ـ ولو بالأكاذيب ـ وكذلك حلفاؤه في الغرب الذين أنشأوا كيانه. بمعنى أن عليك ان تدعهم يبكون شفقة عليك، لا أن تتركهم يخافون منك.
7ـ واصل الدعوة إلى التفاوض، ودعهم يرفضون، فيشهد لك العالم ومحبو السلام من شعبهم، أنك تطالب بحياتك لا بموتهم.
8ـ لا تستهن بأي حليف متوقع، يمكن أن تكسبه في هذه الحرب الطويلة المد.
9ـ عليك أن تبدو إنسانياً في قيادتك لشعبك المحتج، فلا تظهر مستغلاً احتجاجهم لتتمتع بالمساعدات. لأن من شأن ذلك أن يفض عنك شعبك، وأن يؤلب عليك خصومك، وأن يوقف من دعم المتعاطفين من شعب الآخر. أضف إلى ذلك استنتاج من يساعدونك بأنك مجرد طامع لا ثوري، فيبدأون بالضغط عليك لصالحهم.
ثالثاً: تناقض:
أما إن أعلنت أنك تهدف إلى تحقيق العودة وكسر الحصار، فأنت تعلن بذلك الجمع بين هدفين متناقضين، يستحيل اجتماعهما:
1ـ فإن كنت تهدف إلى تحقيق العودة، فلا معنى لكسر الحصار، لأنه سيكون قد تم كسره تلقائياً، بعودتك إلى وطنك المحرر.
2ـ وأما إن كنت تهدف إلى تحقيق كسر الحصار عن قطاع غزة، فأنت تخوض حرباً مطلبية، لا حرباً تحررية ـ كما تعلن ـ تهدف من ورائها إلى أن تقنع العدو بأن يرفع حصاره، ويأمر السلطة في رام الله بأن تحذو حذوه، ليتم فتح المنافذ البرية والبحرية والجوية، لقطاع غزة، ويسمح بإدخال كل البضائع الممنوعة، وسفر الأفراد ورجوعهم محملين بدولارات الدعم للحكومة الرشيدة.
فأي الهدفين تريد؟
ربما كان عليك أن تعلن أن هدفك هو واحد من مطلبين: إما العودة، أو رفع الحصار.
ولأنك تعلم ان العودة ليست موضوع طلب لمقاومة سلمية ـ لأنها تحقق إزالة الدولة اليهودية واقعياً ـ فإن هدفك الحقيقي صار واضحاً لدينا: أن تحقق حلمك في الانفصال عن الوطن، وإنشاء الإمارة الإسلامية.
ومن هنا يتضح أن الدعوة إلى ما يسمى بـ”مسيرة العودة وكسر الحصار” إنما هي في حقيقة الأمر، دعوة لتحقيق انفصال غزة عن السلطة الوطنية في الضفة.
رابعاً: الهدف الحقيقي:
والآن دعونا نناقش مقولة الحصار.
هل نحن محاصرون؟ وهل الشعب العربي الفلسطيني في غزة محاصر؟ وما هو مفهوم الحصار؟
هل نعاني من نقص في المواد الأساسية، ومواد التموين، والكماليات؟
هي نعاني من نقص في إكسسوارات الحياة؟
أتعاني نساؤنا من نقص في أدوات الزينة، والماكياج، وملابس النوم الشفافة؟
أم يعاني قادة التنظيمات من عدم قدرتهم على السفر؟
هذا السؤال موجه إلى الشعب العربي الفلسطيني في غزة.
دعونا نتأمل إن كنا محاصرين نحن الشعب، أم يعاني قادة التنظيمات من ضعف قدرتهم على السفر، ونقل الأموال في الحقائب؟
فإن أدركنا ما هو الحصار المطلوب كسره، أدركنا الأهداف الحقيقية، لكل مسيرات كسر الحصار.