تمثال ( رمسيس الثانى ) وحكاية ترحاله
فريدة شعراوي | باحثة في التاريخ والمصريات
3200 عام، هي عمر تمثال رمسيس الثاني ، أحد أبرز المعالم الأثرية في تاريخ مصر القديمة، التمثال الذي يصور الملك رمسيس الثاني واقفا بكل شموخ معبرا عن عظمة الحضارة المصرية القديمة ، جاب التمثال زمنا من الترحال منذ إكتشافه فى ميت رهينة مرورا بباب الحديد ، حتى مستقره الأخير فى المتحف المصرى الكبير.
أقام رمسيس الثاني عند الباب الغربي الرئيسي لمعبد الإله بتاح، بميت رهينة، تمثالين له أحدهما من الحجر الجيري، والآخر من الجرانيت، وتحدث عنهما المؤرخ هيردوت وتناول جمالها وعظمتها، وفي إحدى السنوات سقط التمثالان وتراكمت عليهما مياه النيل وغمرهما الطمي لتخبئهما عن إيدي التخريب والتبديد.
تم اكتشاف التمثال في عام 1820م، قبل ما يقرب من مائتي عام، من خلال المستكشف “جيوفاني باتيستا كافيليا”، وتم العثور على التمثال في “معبد ميت رهينة العظيم” قرب ممفيس، جنوب الجيزة ، و ترك فى مكانه و أصبح متحف مفتوح ،.وتعد منطقة ميت رهينة،التابعة لمركز ومدينة البدرشين، هي الموطن الأصلى للتمثال التاريخي.
يبلغ طول التمثال 11 مترا ويزن 80 طنا، وهو منحوت من الجرانيت الوردى اللون، كانت بداية دخول التمثال الشهير إلى عالم المصريين والتعرف عليه عن قرب ، عندما أمر جمال عبد الناصر، بإعادة تموضع التمثال في ميدان “باب الحديد” بقلب العاصمة المصرية القاهرة، وهو الميدان الذي تخلى عن اسمه القديم “باب الحديد” ليصبح ميدان رمسيس، يبدوا أن الاسم الجديد أصبح راسخا حتى بعد انتقال التمثال من وسط القاهرة إلى الجيزة بما يزيد عن 10 سنوات، مازال الميدان لدى أغلب العامة، يحمل اسم ميدان رمسيس.
حين تم إكتشاف ذلك التمثال عام 1820 ، قام “محمد علي” باشا والي مصر في ذلك الوقت بإهداء التمثال إلى المتحف البريطاني، لكن المتحف اعتذر عن قبول الهدية.. فبرغم روعة التمثال إلا أنهم لم يستطيعوا أن يجدوا طريقة لنقله بسبب وزنه وحجمه الهائل .
وقد كانت بريطانيا سيدة العالم في ذلك الوقت وتحت يدها من أساطيل السفن ما تسد به البحر ! ..ورغم ذلك لم تستطع أن تجد وسيلة آمنه لنقل تمثال بهذا الحجم ، أما في مصر فقد وجدوا أن تقطيعه ونقله باهظ التكاليف.. فرأوا أنه من الأسهل تركه في مكانه وإقامة متحفا حوله ! و هنا يطرح السؤال نفسه: كيف نقله صانعوه منذ البداية إلى هذا المكان !
انتقل تمثال رمسيس الثاني ، من الميدان المسمى باسمه أمام محطة مصر، ليأخذ طريقه إلى مستقره الأخير بجوار المشهد الخالد لأهرامات الجيزة، في موقعه الجديد ب المتحف المصري الكبير ، في يوم 25 أغطسطس 2006م، بعد ما يقرب من نصف قرن أستقر فيها في وسط القاهرة .
ولكن لأهمية وقيمة المتحف المصري الكبير الذي سيكون عند افتتاحه، أكبر تجمع للقطع الأثرية في العالم، و لحتمية حماية تمثال رمسيس الثاني من التلوث البيئي الناجم عن حركة القطارات والسيارات، كان قرار الانتقال إلى جيرة أهرامات الجيزة في مشهد تاريخي، تابعه الشعب المصري والعالم منذ 14عاما، و كان الحدث أيضا يمثل تدشينا لبدء العمل بالمتحف الكبير.
أخترق تمثال رمسيس أثناء عملية نقله الثانية من باب الحديد إلى هضبة الأهرامات – بعد رحلته الأولى من ميت رهينة إلى باب الحديد- شوارع القاهرة والجيزة و قطع مسافة 30 كيلو مترا بمتوسط 5 كيلو مترات كل ساعة، في رحلة تكلفت 6 ملايين جنيه مصري وقتها، و إستغرقت دراسات طويلة للحفاظ على سلامة التمثال،
ليصل التمثال إلى محطته الأخيرة ، ليأخد مكانا يليق به، في مدخل البهو الرئيسي للمتحف المصري الكبير، حيث أكبر تجمع للأثار في العالم، والشاهد الأجمل على حضارة المصريين بجوار أهرامات الجيزة الخالدة.