الحج.. الرحلة العجيبة
شيماء شتا | مصر
إذا شعرت بسعادة بالغة وأنت في طريقك للحج بمالك الحلال، وإذا أدركت أنها فرصة العمر لرجوع العداد للصفر، ونويت التوبة والاستقامة وبعض التغير، ومستعدٌ بالعلم والفهم؛ فإنك سوف تستمتع به، وحجك سوف يُقبل إن شاءالله بشرطٍ واحدٍ : أن تنجح في الاختبار الأخير وهو الحج نفسه…
نعم الحج؛ فهو مليء بالمواقف والأحداث التي تكشف خبايا البشر وسلوكياتهم في فرصة أخيرة قبل التقييم النهائي عن مجمل أعمال العمر ….”لا رفث ولا فسوق ولا جدال” لها معني عميق يتجاوز ما نعرفه بمراحل يجب أن ننتبه له وهو ما جلعني أشعر أن الحج رحلة التأمل والتفكر والصبر والإحسان، إنه ليس فريضة تؤدي وحسب؛ بل تجربة فريدة من نوعها فيها من الدروس ما فيها.
أتذكر عندما سافرت في ٢٠٠٨، كاد قلبي يطير من السعادة حينها. لقد قرأت كثيرًا عن هذه الشعيرة العظيمة، سنوات وأنا أطالع تجارب الناس، وكم أعجبني كتاب للدكتور مراد هوفمان : “الطريق إلي مكة” وهو يصف ذكرياته ومشاعره التي صاحبت الحج، ولقد انتابتني الحيرة في أوقاتٍ شتى فيما يتعلق ببعض تفاصيل مناسك الحج، فقرأت علي الطائرة كتاب الشيخ الشعراوي الرائع الموجز ” الحج ” تجنبًا للجدال والأسئلة الكثيرة، وكم كانت سعادتي بجملة “ولا حرج ” المتكررة والتي يسرت أغلب المناسك وشرحت صدري، وزاد تعلقي بها عندما أتخيلها بصوت شيخنا الجميل الباعث للطمأنينة والسلام الروحي.
إننا في ساعات الانتظار الطويلة في المطارات والأتوبيسات نحتاج لصبر حقيقي؛ حريٌ بنا الانشغال بالذكر وتصفية الذهن قدر الإمكان، وبذلك سترى مع كل خطوة العجب العجاب.
البعض من الناس تُحسن التصرف، بل وتبدع في الخير، وآخرون يضلوا السبيل ويسيئوا المسلك، وتستعجب كيف الآن ؟! لكن هذا هو الواقع؛ فهنالك نفوس نورانية وثمة نفوس مظلمة، إنه الخير والشر متلازمان منذ بدء الخليقة.
رغم أن تكاليف الحج الباهظة، كان معنا سيدة بسيطة جدًا، في ديمومة لذكر الله عز وجل ورسوله الكريم، تكفلت بحجها سيدة كريمة تحنو عليها، ولقد استفزتني تصرفات البعض معها، وصل حد رفض مساعدتها، والتنكر لها لدرجة عدم الرغبة في مشاركتها الحجرة في منى! نحن في الحج!!…..إن شق ذلك عليكم فتجملوا؛ لا لم يستطيعوا، وكعادة الشركات في وجود دعاة مع الفوج كان يصاحبنا داعية مجتهدة تحاول شغل السيدات بسماع ما يفيد أو جمعهم للصلاة، ولقد هالني إنها كانت موضع نقد شديد من بعضهن، وكانوا يتباحثن كيف تقول كذا؟ ولماذا درس الآن؟ وعلمها ضئيل لا نحتاجه، وغيرها من التعليقات التي لم أتخيل أن يقولها من جاء للتطهر والتزكي، وبدلًا من استغلال أجواء المكان الطاهر حتى تتساقط الذنوب وجدت البعض يسقط في براثن الغيبة وفضول الكلام الذي لا طائل منه، ولا مناسبةً له بلا أدني تردد، ولو صمتوا للتدبر لكان خيرًا لهم إن كان يعملون، وما أبرئ نفسي.
إن الأعداد الضخمة للناس من كل عرق، ومن كل حدبٍ وصوب تزينهم الملابس البيضاء والتي تشعرك إنها أيام عظيمة أشبه بيوم القيامة، إننا أمام أكبر تجمع بشري علي الأرض، ويا له من مشهدٍ مؤثر أن تري في كل مكان حجاج بسطاء افترشوا الأرض والتحفوا السماء حتي وسط الطريق، وإنها والله لمتعة كبرى تغمرني وأن أرى المصافحة بالأيدي؛ جميل أن نسلم على البعض ونوزع عليهم الطعام والماء أو أي شيء طيب، وتري الابتسامات ونظرات الأخوة والمحبة من كل شكل ولون، وإنها والله لمشاعر كثيرة غالية ومميزة لايمكن أن توصف بكلمات.
وبينما ينشغل البعض بالنوم أو الطعام أو ربما استعراض خواتمهم الألماظ، أو الكلام عن سياراتهم الحديثة ومشاريعهم في عرفات نجح آخرون في استلهام الدعاء من الله بغزارة، ومساعدة من يحتاج، وإدخال السرور علي من غلبه الحزن، أو المرض.
سبحان الله حتي قراءة القرآن لم تسلم من التباهي أحيانًا. هناك من لم يكن جادًا ولاصادقًا في نيته فلم يرجع بالكثير من الخير من الحج، وآخرون ذاقوا جماله وتفرده رغم التعب، وجنوا ثماره ففازوا بفرصة جديدة لحياة أفضل؛ فبشرى لهم بحجٍ مبرور وذنب مغفور .
فلنستعد للحج السنوات القادمة بقلوب نقية، ومعرفة ووعي وجهاد دؤوب مع النفس وليس بالمال فقط .
اللهم ارزقنا الحج والعمرة وكل قول وعمل صالح يقربنا إليك يا أكرم الأكرمين …