مقارنة غير موفقة لبيل غيتس بين الرأسمالية ونظام كوريا الشمالية
د. صلاح حزام | خبير اقتصادي عراقي
التعليق اعلاه على لسان السيد بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت المعروفة، وردني من صديق موثوق ويبدو ان التعليق صحيح..
يقول غيتس: ( الرأسمالية عملت بشكل جيد جداً، ومن يرغب بالذهاب الى كوريا الشمالية ، مرحباً به).
وهنا لابد من القول إن السيد غيتس لم يكن موفقاً في مقارنته هذه.
فالبديل للرأسمالية بصيغتها الامريكية المتوحشة (التي خلقت استقطاباً غير مسبوق للثروة وتركيزها بيد نسبة ضئيلة من الشعب الامريكي وتركت غالبية الامريكان تحت تهديد فقدان الوظيفة واقساط البنوك، ليس بالضرورة هو كوريا الشمالية فقط.
لدينا نماذج أخرى رأسمالية بطابع اكثر انسانية ، ودول اسكندنافيا خير نموذج لذلك.
الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في تلك الدول خلقت نظاماً اقتصادياً يجمع مزايا الرأسمالية من حيث الكفاءة والتطور الى جانب مزايا النظام الاشتراكي ذو الوجه الانساني بدون اللجوء الى الثورة ودكتاتورية البروليتاريا والعنف الطبقي الذي صاحبها.
لقد تأثرت السياسات الاقتصادية في تلك البلدان وبالذات في السويد ، بأفكار اقتصادييها الكبار وعلى رأسهم “ڤيكسل”الذي نشر عنه صديقي وزميلي في الدراسة الدكتور مصدق الحبيب الذي يعمل استاذاً للاقتصاد في جامعة ماساشوستس الامريكية، مقالة رائعة تستعرض فكره ومساهماته الهامة ومن بينها دعواته الى العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والتي تأثرت بها الاحزاب السياسية الاشتراكية الديمقراطية.
هذه الأحزاب لم تفهم الاشتراكية بمعنى هيمنة الدولة على وسائل الانتاج وبالتالي الاستحواذ على الفائض الاقتصادي الذي يتولد في عملية الانتاج، بل ذهبت الى مرحلة توزيع هذا الفائض بين عوامل الانتاج والاستحواذ على جزء مهم منه لاسيما من اصحاب شرائح الدخل العليا من خلال النظام الضريبي ، واعادة توزيعه من خلال الموازنة العامة للدولة لصالح الفئات الواسعة من المجتمع.
والكل يسمع عن طبيعة الخدمات التي يحظى بها الفرد في تلك الدول.
لذلك يصعب ان يتحول الانسان الى مليونير ،في السويد مثلاً، نتيجة الاستقطاعات الضريبية العالية والتصاعدية (حسب تعبير صديق يعيش في السويد منذ اربعين عام كطبيب ناجح).
لدينا نماذج رأسمالية اكثر انسانية مثل بريطانيا ونظامها الصحي الاجتماعي وبرنامجها للضمان الاجتماعي.
لدينا النموذج الصيني الذي سمح للرأسمالية بالعمل تحت اشراف دقيق ومدروس من قبل الدولة فحقق معجزة اقتصادية تجمع بين كفاءة القطاع الخاص الرأسمالي وبين إشراف الدولة لضمان سير الامور بالاتجاه المرغوب مع وجود دور كبير وفعّال للقطاع العام ايضاً دون خنق القطاع الخاص او التضييق عليه.
كلام السيد غيتس يبدو ايديولوجياً ومُغرِضاً لأن نظام كوريا الشمالية نظام محاصَر ومعزول وغير طبيعي بكل المقاييس فلماذا يتم اتخاذه كبديل وحيد للرأسمالية؟