مطلوب لبنانيا وعربيا وعالميا.. نزع عباءة السيد
إبراهيم شعبان | محام دولي ومحاضر جامعي
في أعقاب تفجير مرفأ بيروت بسبب إهمال شديد، وما تلاه من نتائج كارثية إنسانية واقتصادية، انفجرت المظاهرات من جديد في لبنان بعامة وفي العاصمة اللبنانية بخاصة. وتمحور مطالب المظاهرات باستقالة السلطتين التنفيذية والتشريعية على الفور.
وتحت وطأة هذه المظاهرات العارمة استقالت الحكومة اللبنانية الوليدة برئاسة حسان دياب. وما انفك المتظاهرون يدعون باستقالة رئيس الجمهورية اللبنانية برئاسة ميشال عون. وأتبع المتظاهرون طلبهم هذا باستقالة مجلس النواب اللبناني على الفور وإجراء انتخابات نيابية جديدة للبنان. وتخلل هذه المظاهرات التي توصف بالعفوية رفع شعارات تدعو إلى ترك الميدان السياسي لجميع الطبقة الحاكمة، ” كلكن يعني كلكن “، وخصت حزب الله بالإتهامات، وتطاولت على رئيسه السيد حسن نصر الله.
الحقيقة أن لبنان سويسرا الشرق والشعب اللبناني معذور ومحق في كثير من مطالبه ويتذكر ماضيه القريب التليد وحياته المرفهة، وبخاصة بعد ما لحق به من كارثة إنسانية واقتصادية وفنية وثقافية ومعمارية بسبب تفجير مرفأ بيروت. الشعب اللبناني يتذكر أياما كانت الليرة اللبنانية في عنفوانها وكانت كل ثلاث ليرات لبنانية تساوي دولارا أمريكيا، أما اليوم فتصل لعشرة آلاف. أيام كانت جميع المصارف العالمية تزدحم بلبنان وتتبارى في فتح فروع لها، واليوم تهرب وتقيد حريتها المصرفية. أيام كانت مسارح ومقاهي ومطاعم بيروت تزدحم بالرواد العرب وسواحهم، وتقام حفلات فيروز والمطربين اللبنانيين والعرب وأيام بعلبك. أيام كانت الصحف العربية على اختلاف توجهاتها تطبع وتوزع في بيروت، واليوم تغلق هذه الصحف أبوابها وتهجر بيروت. أيام كانت المؤتمرات الإقليمية على اختلاف توجهاتها الآيدولوجية والسياسية تعقد في بيروت وتصدر بياناتها الختامية بكل حرية. أيام كانت الأحزاب العربية على اختلاف أشكالها وتوجهاتها السياسية تجد لها ملاذا في بيروت، أما اليوم فغدت لبنان ساحة لحرب سرية بين الأعراب. أيام كانت لبنان وبيروت محجا للسياح الخليجيين والعرب، وحجبت اليوم لاعتبارات سياسية وحلت محلها استانبول ولندن مربط خيولنا بل غدا الدخول لمرفئها الجوي صعبا وعسيرا.
اللبناني كان يرى بنفسه حدثا حضاريا يفوق غيره من شعوب المنطقة لغة وأدبا وممارسة، فإذا به يتضور جوعا لا يجد ما يسد رمقه.
كيف للبناني أن لا يبتئس بعد تذكر كل هذه المناظر والذكريات القريبة وهو يرى بعينيه سواد حاله، ولاحقته إشاعات وهمسات ورسائل تواصل اجتماعي، تناست الفساد، وركزت على النضال السياسي لفصيل بعينه دون غيره من الأحزاب اللبنانية وعبأته في هذا الإتجاه بل وحملته كل آثام الفساد وتبعاته.
ومما زاد الطين بلّة، تلك الموجات المتلاحقة المتراكمة من الفساد على مر عشرات السنين التي مرت بسلاسة ونهبت البلد وأفسدته، الذي وصفه رئيس الوزراء المستقيل حسان ذياب بأنه أكبر من الدولة اللبنانية. فقد استفاق اللبنانيون على فساد يصعب استئصاله أو حتى معالجته.
وحينما أراد رئيس وزراء غض تكنوقراط معالجة هذه الظاهرة المستشرية، فاجأه حادث تفجير بيروت فلم يبق له من خيار سوى الذهاب لبيته وترك السياسة لأهلها فالفساد لا يبقي ولا يذر. وبقي الشارع يهدر ويدين وينسى الفساد المستشري ومن ورائه وأمامه وخلفه النظام الطائفي.
قلت في مقال سابق أن لا تقدم يرجى للبنان في ظل نظام طائفي محاصصي. بل إن لعنة لبنان المستمرة هي الطائفية اللعينة منذ أن أقرت عرفيا في أربعينيات القرن الماضي واستمرت ليومنا هذا مرورا بالطائف. وها أنذا أكرر ذات المقولة وأرفع ذات الشعار، فلا أحد ينكر هذه الأيام أن الطائفية اللعينة هي سبب الفساد الرئيس الذي استشرى على الأرض اللبنانية.
فجميع أثرياء لبنان اختبئوا في تدمير مرفأ بيروت، ولم يستطيعوا تدبير مال تعميره من الأموال المنهوبة وعددهم ليس بالقليل. دولة في القرن الواحد والعشرين تقوم على أساس التمييز الديني بين ابناء الشعب الواحد، في مخالفة صريحة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولمبادىء قيام وأسس الدولة المدنية. والمشكلة أن تجد من يدعو لبقاء هذا النظام الطائفي، بل يبرر بقاءه ويكيل المديح والإطراء لاستمراره.
وكأن وجود هذا النظام الطائفي اللبناني بصورته الحالية، فيه تأييد للنظام الطائفي الإسرائيلي القائم على يهوديتها، بقصد أو بدون قصد. إذا أردتم التقدم حقا أيها اللبنانيون فاسعوا فورا إلى إلغاء الطائفية اللعينة فهي غير منصوص عليها في دستوركم وإن تعارفتم عليها، امتلكوا الشجاعة الكافية أيها المتظاهرون ورددوا هتافات إلغاء النظام الطائفي، واعتمدوا الديموقراطية والإنتخاب الحر ترشيحا واقتراعا نهجا سياسيا بغض النظر عن دين الشخص ولونه وعرقه ورأيه السياسي وطائفته وثرائه.
لذا وجدنا أن جميع الطوائف التي كانت مميزة قديما وحظيت بامتيازات كثيرة، وجدتها فرصة ذهبية لتندس وتنسل وتسير في هذه المظاهرات الوطنية العفوية الطالبة بالتغيير والدعوة إلى الإستقالة للجميع.
إذ لا يعقل أن يسير متظاهر لبناني ويدعو لانتداب فرنسي بعد قرن من انتهاء الإنتداب في النظم العالمية القانونية واستبداله بنظام الوصاية.
كيف يمكن لوطني لبناني حقيقي أن يستبدل جلدته بجلد فرنسي ويخضع له ويستكين له، ويرفض حق تقرير المصير والسيطرة على الموارد الطبيعية للبلد.
كبيرة ومعيبة وغير مصيبة وغير مبررة مثل هذه الدعوات المارقة بل فيها رائحة خيانة وطنية مهما كانت الأسباب والمبررات.
حرفوا هذه المظاهرات بسبب عذاب المطحونين ومعاناتهم ولم يوجهوها نحو الهدف المنشود بإلغاء النظام الطائفي واستبدلوه بهدف شرعي آخر أقل أهمية وهو استقالة الهيئة الحاكمة وهي لم تساهم من قريب أو من بعيد بالفساد المستشري في لبنان، فالفساد راكمه النظام الطائفي في جميع الحكومات المتعاقبة. ولكن الجماهير المحتشدة استبدلت ذلك كله بالهجوم على السيد وعلى حزب الله.
فكيف لقاتل مثل جعجع أن يكون لبنانيا حقا وله رأي يحترم ويدلي بدلوه في السياسة اللبنانية، بينما مصيره أن يكون قابعا داخل جدران السجن. وكيف لورثة كميل شمعون الذي أدخل الأسطول السادس الأمريكي إلى قلب بيروت ومينائها أن يسعوا لصلاح اللبنانيين؟ كيف لورثة بشير الجميل الذي تم اغتياله قبل عقد اتفاق صلح مع إسرائيل ان يملوا لجماهير الشعب اللبناني ما يفعلوه ؟ كيف لسلبي مهادن أن يقرر لجماهير المقاومة اللبنانية في مظاهراتهم مطالبهم وأمانيهم وأهدافهم ؟ اين اثرياء لبنان، وأين أموالهم، وهل تبرعوا لإصلاح مرفأ بيروت المنكوب أم اكتفوا بتصريحات فضفاضة؟ كيف لمثل هؤلاء أن يكونوا شفافين وطالبين لعدالة مفقودة، ويزاودون على مواقف وطنية متقدمة متمثلة في حزب الله وسيده.
ما سمي بالربيع العربي كان وبالا على الوطن العربي والأمة العربية، ولنا في ليبيا وسوريا واليمن ومصر والعراق دلائل حية لا تحتاج إلى اي إثبات أو دليل صحة.
اللبنانيون لا يحتاجون إلى ورثة غورو ليلقنونهم دروسا في الوطنية الحقّة، هم يحتاجون الرجوع لأصل الأشياء وهو إلفاء النظام الطائفي برمته، وإلا كان تظاهرهم وللأسف خدمة للغير وانجرارا وراء أهدافهم المحدودة بل غير الشرعية.
اللبنانيون طاردو قوات الإحتلال الإسرائيلي من جنبات الوطن اللبناني يعلمون الغث من السمين ، الناصح الأمين من المخادع المستغل، الوطني ممن ركب موجة الوطنية لأنه إذا قاد الأعمى رجلا أعمى سقط كلاهما في الحفرة، وإذا غنيت قبل الفطور بكيت قبل العشاء!!!
ركب موجة الوطنية المزعومة دولا عربية ونادت بالإطاحة برموز الثورة في لبنان، بل اندست بالجماهير اللبنانية الشريفة لتأخذها بعيدا وتطالب بتنحية جميع مظاهر الدفاع عن الشعب اللبناني وسلامته بدل أن تقدم الدعم لإعمار ميناء بيروت. ووجد ماكرون والولايات المتحدة الفرصة سانحة لفرض وصاية جديدة على الدولة اللبنانية والشعب اللبناني بعد أن فشلوا سابقا وطردوا شر طردة سابقا ليحقق كل واحد هدفه السياسي الذي يثب حتما لصالح المحتل الإسرائيلي.
هكذا تحالف الرجعية اللبنانية بكل طوائفها، مع القوى العربية المتخاذلة المستسلمة وحكامها من مجتمع الغلمان، والقوى الفرنسية والأمريكية التي ما زالت تحن لدورها القديم الجديد المتمثل في مهاجمة جميع القوى التقدمية والقومية المناهضة لجميع مظاهر الإستعمار والإستغلال الحديث، من خلال شعار زائف متمثل في رفع راية الإصلاح والدفع بتنمية الإقتصاد اللبناني قدما، وهمهم الأول والأوحد والأخير نزع عباءة السيد وبعد ذلك إلى حيث ألقت!!!