اللبنانيون.. أي حكومة ينتظرون؟

توفيق شومان | خبير وكاتب سياسي لبناني 

أي حكومة لبنانية ستعقب حكومة حسان دياب المستقيلة، ستنال الفشل والسقوط مثلما كان مصير الحكومة الراحلة.

بتاريخ 5 ـ 12ـ 2019، حين تصدر سمير الخطيب قائمة الأسماء المفترض تكليفها بتشكيل حكومة ما بعد استقالة الرئيس سعد الحريري ، كتبتُ تحت عنوان ” سمير الخطيب أو غيره … الإنهيار مستمر “.

في التواريخ التالية كتبتُ  ” لو كنتُ رئيس الحكومة  ـ 17 ـ 7 ـ 2020  ” و ” رسالة إلى الرئيس حسان دياب ـ 14 ـ 6 ـ 2020 ” و ” هل اقتربت استقالة الحكومة اللبنانية ؟ ـ 10 ـ 6 ـ 2020 ” ، و ” لم تقنعني خطة  الحكومة  الإنقاذية ـ 1ـ 5 ـ  2020 ” ـ  وفي المقالات الأربع  مضمون واحد ينطوي على نتيجتين ” فشل ” الحكومة  الحسانية ” واقتراب سقوطها.  

وعلى ذلك، لم أعر بالا لخطاب الإستقالة الذي ألقاه حسان دياب وقال فيه : ” منظومة الفساد متجذرة في كل مفاصل الدولة وهي أكبر من الدولة والدولة مكبلة بها ولا تستطيع مواجهتها “.

هذا الكلام ليس اكتشافا للبارود ، بل ينطبق عليه قول الشاعر: 

وظل يقدح طول الليل فكرته / وفسر الماء بعد الجهد بالماء.

واقع الحال، إن رئيس الحكومة المستقيل يقول إنه بعد سبعة أشهر من ترؤسه الحكومة اكتشف اجتياح الفساد للدولة وسيطرته على مفاصلها، في حين أن أي لبناني لايحتاج  السبعة أشهر تلك ، بل لا يحتاج إلى لحظة تفكير للقول إن الفساد يعصف عصفا بالدولة اللبنانية  وقد أسقطها وأسقط اللبنانيين في قاع الإنهيار المالي والإقتصادي الخطير. 

سبعة أشهر استغرقها  “العصف الفكري” حتى قال حسان دياب قول الختام والرحيل: منظومة الفساد أكبر من الدولة .

هل هذا قول ينعي الدولة؟ ينعي الحلم بالإصلاح؟ ينعي الأمل بإحتمال خروج لبنان واللبنانيين من الإنهيار الفظيع؟

لا يمكن تفسير قول رئيس الحكومة المستقيل خارج التساؤلات المطروحة آنفا، ومن خضم  وتلاطمات هذه التساؤلات يبرز سؤال كبير: هل يمكن أن يأتي خلاص الإنقاذ عبر حكومة بديلة  ومن هو رئيس الحكومة البديل؟

لا إجابة قاطعة عن ذاك السؤال الذي يتوحد اللبنانيون على طرحه منذ شيوع حتمية استقالة  حسان دباب ، ومع أن آراء محترمة ومعتبرة تفترض أن حكومة تصريف الأعمال قد يطول عمرها ، إلا أن هذا الإفتراض لا يلغي سؤال الرئيس البديل والحكومة البديلة .

وعلى ذلك، لتكن الإجابة الإقتراضية أيضا على مستوى الواقع ، بتفاصيله ووعورته وصعوبته :

كل حكومة بديلة ، ستحظى بـ “شرف” تأييد بعض اللبنانيين ، وبـ “شرف” معارضة بعضهم “، وفي حال تم جمع “البعضين” ، فإن “للبعض” الثالث  الموجود في  حركة الإحتجاج ، قد لا يستهويه  الإنخراط  في المعادلة القديمة المتجددة المتخذة عنوان ” حكومة الوحدة الوطنية ” ، لكون قراءته ستستقر على إعادة إحياء المنظومة السياسية الذي يحتج عليها ويتمرد.

ووفقا لهذا المنظور، لن يتغير واقع الحال ، فالمحتجون سيبقون في الشارع ، وصورة المواجهات لن يطرأ  عليها تعديل ، مما يعني المراوحة على خطوط التوتر والإضطراب  ، وربما الفوضى . 

ليس في القول جديدا ، حين يتضمن الإشارة إلى  الثقة المفقودة بين القوى السياسية اللبنانية مجتمعة ، صحيح أن الإنقسام  العمودي الذي تشظى به اللبنانيون إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005،  زال  أو تقلص إلى حد بعيد ، إلا أن الإنقسام الأفقي ورثه  و تموضع  مكانه ، بحيث بات النفور وانعدام  الثقة والبغضاء والكيدية قواعد مستبدة بعلاقات القوى السياسية مع بعضها البعض ، وكل ذلك يطيح بأي احتمال قد يذهب إلى تصور تشكيل حكومة ” وحدة وطنية “، فمثل هذه الحكومة لن تكون سوى صورة مستنسخة عن حكومات يعرفها اللبنانيون حق المعرفة ويصنفونها بحكومات التنازع  والتقاتل والتخندق المتبادل واللاتضامن الحكومي.

وعلى أساس تلك التجارب الحكومية الفاشلة والمرة، قد يكون  الطرح الآيل إلى تشكيل  حكومة “وحدة وطنية” من أكثر الإحتمالات المثقلة بالمخاطرة والمغامرة، لكونها مشهدا مستعادا لحكومات الوزراء المرقطين  ـ المتقاتلين في اجتماعات مجلس الوزراء، فضلا عن كونها مرفوضة من حركات الإحتجاج .

وأما الحكومة الحيادية، وإذ هي تفوز برضا المحتجين ، فإنها لن تنال ثقة ” التقليديين ” مما يصعب بلورتها وتشكيلها .

إذا الحكومة  الموسعة  ستكون حكومة متقاتلين وعرضة للإهتزاز في كل لحظة ، والحكومة الحيادية مرفوضة ، وحكومة ”  اللون الواحد ” من الصعب تكرارها ، ماذا يبقى؟ 

حين تستغرق عملية تشكيل الحكومة أشهرا وأسابيع ، وحين تتعطل عجلة الحكومة على رضا هذا الوزير أو ذاك الوزير ، وحين تكون التشكيلة الحكومية تقاسما وتحاصصا بين أطراف تتنازع على النفوذ ، وحين يفترض أهل السياسة أن حصولهم على هذه الوزارة أو تلك الوزارة انتصارا لم يسبقه انتصار ولا يوازيه انتصار ، وحين تأتي حكومة وتذهب حكومة وتبقى النفايات على حالها ، واللحوم الفاسدة على حالها  وتلوث الأنهار على حاله ، والإنهيار المالي على حاله وانهيار المجتمع على حاله ، وانهيار الدولة على حاله ، وفي ظل كل هذه الإنهيارات لا نقرأ ولا نسمع ولا نرى برنامج إصلاح أو إنقاذ دقيق وتفصيلي قدمه أو صاغه أهل الحل والربط : كيف يمكن أن يصدق الناس أن الحكومة المقبلة بيدها زمام حبل الخلاص أو طوق النجاة ؟

ماذا يبقى للناس ؟

تبقى رحمة الله 

ارحمونا يرحمكم الله 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى