كن إيجابياً.. الإنسان بين الماضي والحاضر والمستقبل
أ.د. رأفت عبد الباسط محمد قابيل | أستاذ علم النفس الاكلينيكي بكلية الآداب بجامعة سوهاج – مصر
لا شك أن مشاعر الهم والخوف التي تميز اضطراب القلق، ومشاعر الحزن التي تميز اضطراب الاكتئاب إذا سيطرت على الإنسان تجعله شخص تعيس، يفتقد للسعادة، والحيوية، والرغبة في الحياة، أو الإقبال عليها، الأمر الذي يجعل حياته بائسة وكئيبة تدعو للانتحار، والتخلص من الحياة، ويفسر لنا هذا سر ما دعانا إليه رسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن ندعو كل صباح ومساء بهذا الدعاء الرائع في الحديث الصحيح ” اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال ” ومن الملاحظ أن الحديث الشريف بدأ بالإستعاذة بالله من “الهم أي الخوف، ومن الحزن” إشارة لتأثيرهما العظيم على سعادة الإنسان، وحركة تكيفه في الحياة، وحيويته، وإقبال عليها.
الأمر الذي يتطلب منا معرفة مصدر تلك المشاعر السلبية المؤلمة التي تعوق حركة تكيف الإنسان في الحياة، وقربه من الله، وجدير بالذكر أن استغراق تفكير الإنسان سواء في ماضيه وما يتضمنه من ذكريات حزينة ومؤلمة، وفي المستقبل وما يصاحبه من مخاوف ناتجة عن توقعات بحدوث أشياء ومصائب مرتقبه يعد مصدر رئيسي لجلب تلك المشاعر السلبية المؤلمة المتمثلة في مشاعر الخوف والحزن.
فإن الأجدر، والأفضل للإنسان أن يركز تفكيره في حاضره.. في لحظته الراهنة مستغلاً ما لديه من طاقات وقدرات ومهارات، وإذا كان هناك ثمة علاقة بالماضي فليكن للتعلم من أخطائه، والعمل على تلاشيها، أما علاقته بالمستقبل تكون من خلال رؤية واضحة وخطط وأهداف محددة يسعى الإنسان في حاضره لتحقيقها مستغلاً كل ما يمتلكه من طاقات وقدرات وفرص، وبهذه الطريقة نطمئن بأن أي استعادة من الماضي ستكون محل فعل وتطبيق في واقعنا وخاصة وأنها تجنبنا الوقوع في أخطاء واخفاقات الماضي، وأن أي تخطيط أو عمل باتجاه تحقيق أهدافنا تنبأ عن مستقبل نطمئن فيه على أنفسنا.
إن الكثير من المشكلات التي تملأ حياتك هي في الحقيقة نتاج تفكير يحتاج منك أن تتأمله، وتراقبه، وان تشتغل عليه من أجل تصحيحه أو استبداله بتفكير أخر صحيح ومنضبط يضمن لك أن يجنبك تلك المشاعر السلبية التي تعوق حركة تكيفك اعتقاداً منا نحن المتخصصون في مجال علم النفس الاكلينيكي (أو المعرفي) بأن الإنسان لو فكر صح، فسوف ينفعل صح، ومن ثم سوف يسلك صح، إن أغلب مشاكلنا، وما نعانيه من اضطرابات هي في الحقيقة نتاج لتفكيرنا الخاطئ المشوه، فمشاكلنا هي في الحقيقة من صنع عقولنا المريضة، وأفكارنا الخاطئة.
وأنك عندما تخلق المشكلة بسب تفكيرك المريض فإنك في الحقيقة تخلق معها الألم لنفسك، ولمن حولك ممن يتعاملون معك، الأمر الذي يتطلب منك عزيمة قوية وقرار بالتوقف عن خلق المشاكل لنفسك ولغيرك في ظل وجود رقابة واعية للذات وطريقة تفكير تنظر للحياة نظرة إيجابية بدلاً من النظر إليها نظرة سلبية -سوداوية.
فالكثير ممن يقوله الناس ويفعلونه هو فعلياً إما بسبب الخوف من أشياء قد تحدث أو لا تحدث في المستقبل، أو بسبب الحزن على أحداث مؤلمة حدثت في الماضي ولا دخل لنا فيها، ونصبح بدون أن نشعر محصورين بماضي حزين -لا نستطيع تغيره ولكن نستطيع نسيانه وخاصة لو كان مصدرا لتعاستنا ومشاكلنا – ومستقبل مملوء بالتوقعات السلبية التي تبث في داخلنا الرعب والخوف، وهي في الحقيقة توقعات أساسها تفكير مريض يجلب لنا الشقاء والمعاناة.
لا شك أن كل شيء في الحياة جدير بالاحترام ولكن لا شيء يستحق أن تخاف من عدم الحصول عليه في المستقبل، أو أن تحزن عليه في حالة افتقدك له فهو حتما مصيره للزوال، وأعلم أن حياتك بين أمرين: إما الحصول على شيء ما أو فقد هذا الشيء، وعليك في الحالتين أن تكون واعياً بحقيقة أنك في الحالتين مأجور من قبل الله بشرط أن “تشكره” عند حصولك على هذا الشيء، وأن “تصبر” في حالة فقدك له، وأنك إن فعلت هذا فسوف تجنب ذاتك من أن ينتابها مشاعر الخوف والحزن أو مشاعر أخرى سلبية تتمثل في مشاعر الإحساس بالذنب، وما ينتج عنها من جلد الذات، وهى مشاعر مدمرة تفقد صاحبها السعادة والبهجة، وتجعله في حالة من العجز عن مواجهة مشاكله بموضوعية وتعقل وحكمة.
إن مقالي هذا بمثابة دعوة للخلاص من ذكريات الماضي السلبية التي تعوق حركة تكيفنا، وإقبالنا على الحياة من أجل إحداث التغيير للأفضل، فنحن في أشد الاحتياج إلى أن نستدعي الذكريات الإيجابية لعلها تكون دافعاً لنا لتحسين جودة حياتنا في ظل وجود خطط وأهداف محددة وواضحة نستطيع معها، ومن خلالها أن نتنبأ بمستقبل أفضل نحقق فيه الفائدة والنفع لنا ولغيرنا والمجتمع الذي نحيا ونعيش فيه.