قصص الخيال العلمي في أدبنا العربي الحديث

مصطفى سليمان /سوريا 

لقصص الخيال العلمي جذور أسطورية . ويمكن أن نتذكر هنا أسطورة إيكاروس في التراث الإغريقي ، وهي تعكس حلم البشرية منذ آلاف في أن يصبح الإنسان طيراً بمحاكاة الطيور في تحليقها في الأجواء …
إيكاروس طار بجناحين من شمع ، وأوغل في طيرانه يدفعه الطموح لاختراق الآفاق، حتى اقترب من الشمس ، فذاب الجناحان واحترق إيكاروس . إنه أول شهيد بشري – ولو ورد في الأساطير- في غزو الفضاء . إنه “غاغارين” العصور الخيالية ..
وهل بساط الريح في “ألف ليلة وليلة” سوى خرافة أو أسطورة حلم بالطيران : من إيكاروس إلى ألف ليلة وليلة ، إلى عباس بن فرناس ، إلى الأخوين رايت ؟
نشأت قصص الخيال العلمي في أوروبا مترافقة مع الانقلابات الصناعية التي ألهبت خيال الأدباء ، ثم في أمريكا حيث حدث تفجُّر معرفي هائل في مجال الأبحاث والمبتكرات العلمية ، وتطور مذهل في التقنية ، مما فتح أمام العقل أفاقاً فسيحة غريبة من الدهشة ، والتأمل الكوني في مصير البشرية . فكانت قصص الخيال العلمي انعكاساً لواقع علمي قائم ، وتبشيراً وإرهاصاً بابتكارات علمية مستوحاة من من واقع العلم ، وآفاقه في التنبؤ والاستشراف.
ولهذا تستخدم المؤسسات العلمية الصناعية الكبرى كبار كتاب الخيال العلمي كمستشارين علميين لديها لإدراكهم قيمة الخيال المبدع في فتح آفاق جديدة في التصنيع التكنولوجي ، فكل شيء يبدأ من الخيال المبدع.
لقد أوحى “جول فيرن” في قصته ” من الأرض إلى القمر ” بفكرة الصاروخ المتحرر من الجاذبية الأرضية ، للهبوط على قمر الشعراء والعشاق الرومانسيين.
كذلك أوحت قصته “عشرون ألف فرسخ تحت الماء ” بالغواصة. وتنبأ ” آرثر كلارك ” بوظائف الأقمار الصناعية قبل ظهورها .
وهناك المئات من القصص والمسرحيات والأشرطة السينمائية عن الإنسان الآلي “الروبوت” وغزو الفضاء وعجائب المخلوقات المحتملة في الكواكب الأخرى.
“إسحاق أزيموف” في أميركا عملاق هذا الميدان فقد قدم ما يقارب الأربعمئة قصة ، وهو دكتور أيضاً في الكيمياء ، وكان يتابع في قصصه أحدث النظريات والمبتكرات العلمية ، من ” الروبوت” إلى حرب النجوم .. فلم يكن يمارس الشطحات الخيالية من فراغ .
في أدبنا العربي الحديث حاول توفيق الحكيم أن يرتاد الخيال العلمي فكتب “رحلة إلى الغد” و”سنة مليون”.. لكنه أدرك أنه ينفخ في قربة مقطوعة مثقوبة؛ لأن المجتمع المتخلف علمياً المستورد للتقنية غيرالمنتج لها ، لا تناسبه أمثال تلك الأعمال الأدبية العلمية المتقدة ، لذلك التفت إلى الواقع فأبدع..
وقد استلهم توفيق الحكيم من القرآن الكريم قصة “أهل الكهف” فكان فيها بُعْد خيال علمي ، يستند إلى فلسفة الزمن ونسبيته، مع الإسقاطات الاجتماعية والحضارية على المجتمع العربي، فالزمن داخل الكهف كان مناقضاً للزمن خارجه !…
وحاول الدكتور مصطفى محمود خوض هذا العالم المدهش – وهو رجل علم أصلاً كما، في “العنكبوت”
و” رجل تحت الصفر”. وهناك نهاد شريف في مصر ، ويقابله أو يوازيه في الزخم الإبداعي في هذا المجال د. طالب عمران في سوريا. وهو ليس برجل علم.
وفي الكويت ، شقّت المرأة طريقها الخاص في هذا المجال الصعب ، وبرزت “طيبة أحمد الإبراهيم” كأول امرأة في الأدب العربي الحديث ، كما أعلم، وربما الوحيدة، تخوض هذا المجال . ومن قصصها “الإنسان الباهت” و”الإنسان المتعدد “و” انقراض الرجل” .
إن قصص الخيال العلمي في أدبنا الحديث إسقاط خيالي أو وهمي لواقع علمي مستورد ، على واقع عربي متخلف ، نسميه – تأدباً -أو تحت تأثير نزعة وطنية أو نفسية نامياً أو ثالثاً ..
كلنا يعلم أن آلاف العلماء العرب في مختلف المجالات العلمية يهاجرون ، أو يُهَجَّرون لعدم قدرة المجتمع العربي ، وربما لعدم رغبته في استيعاب عبقرياتهم . ربما تكون هناك أسباب سياسية ، أو بيروقراطية ، أو علمية أو اقتصادية ..
ترى لو بقي – على سبيل المثال- دكتور فاروق الباز ، عالم “الجيولوجيا الفضائية ” المصري الذي يعمل في وكالة “ناسا” الأميركية في مجتمعه المصري هل كان كما هو كائن اليوم ؟
لو قرأ، أو ألّف، مئات القصص العلمية الخيالية هل كانت ستخلق منه ذلك العالم الكبير في وكالة ( ناسا) الفضائية الأمريكية؟ أو كما قال: كنت سأبقى مجرد معيد في كلية الجيولوجيا بجامعة الإسكندرية، وأقف في طوابير الجمعيات الاستهلاكية للحصول على فرّوج الجمعية!!
وفي عدد 12 نوفمبر- تشرين الثاني 1992 ، من مجلة صباح الخير المصرية ندوة علمية خطيرة بعنوان “إنه البؤس العلمي” جرت مع علماء ودكاترة جامعات في مجالات مختلفة .
من ذلك البؤس العلمي مايرويه الدكتور محمد حسين فهمي ، من أن إحدى رسائل الماجستير ، والتي قدمها أحد طلابه كانت حول جيولوجية الفيُّوم ، وقد تنبأ فيها الطالب -الباحث بإمكانية حدوثأو، كما قال: زلزال ضخم ، وأكد أن شمال بحيرة قارون ، وخاصة منطقة جبل قطراني ، ستكون مركزاً لهذا الزلزال ، وهذا ما حدث فعلاً !؟
ويتساءل : هل اهتم أحد بهذه الرسالة أو غيرها ؟
بين أيدي كُتّابنا اليوم الواقع العربي الغريب العجيب في تضاريسه الاجتماعية والسياسية والنفسية والدينية .. إنه أغرب وأعجب من ألغاز الفضاء ومجراته ، أغرب من حرب النجوم و” الروبوت”.
فليستمد كُتابنا إبداعهم من وحي هذا الواقع ، لامن وحي الخيال العلمي ، وإلا سيظل هذا الأدب قبض الريح وسوف تبقى قصص الخيال العلمي لدينا، وحكايات الفضاء الكوني، في مرحلة “انعدام الوزن… لتدور في فلك وهمي ..!
———-
مصطفى سليمان / سوريا