رحلة الهبوط العربي من قاع لآخر !!
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
بعد وفاة الزعيم العروبي جمال عبد الناصر في عام 1970، ما انفكت السلط العربية في التهاوي من قاع لقاع، وكلما ظن البعض أن قاعا ما هو آخر قاع ، سرعان ما اكتشف هذا البعض أن هناك قيعانا أخرى تالية، وما زالت رحلة الهبوط إلى القيعان مستمرة. وكان آخر قاع وحضيض هو التهاوي الإماراتي في حضن الإسرائيليين. ولا بد أن تتلوه قيعان أخرى منتظرة في السودان والبحرين والسعودية وعمان والمغرب بعد أن بدأت في القاهرة وعمان ونواكشوط.
للأسف الشديد، لم تتوقف رحلة الهبوط العربي إلى القيعان الدنيا واسفل السافلين منذ ذلك التاريخ، بينما كان السائد قبلها ان لا مفاوضات ولا صلح ولا اعتراف بإسرائيل. وكان قانون مقاطعة إسرائيل لعام 1953 يرفرف علما في كل العواصم العربية. حتى المفردات والألفاظ كانت ترفض منح الشرعية للكيان الإسرائيلي.
وكانت الأحلام والمسارح والمشاعر والفنون والآداب والجماهير العربية والسينما ترفض القبول الإسرائيلي رفضا تاما.
فماذا حدث وماذا حصل حتى انزلقت الأمة العربية لهذا الدرك؟
كانت السقطة الأولى بتوقيع كامب ديفيد عام 1978 كمعاهدة صلح بين مصر وإسرائيل. تلته اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية عام 1993.
وتبعتهما اتفاقية وادي عربة عام 1994 بين الأردن وإسرائيل. وكانت موريتانيا مسرحا لتبادل السفارات بعد عام 1998 التي أعيد قطعها في عام 2010.
وقبل ذلك كله كان الإتفاق الإسرائيلي اللبناني بزعامة بشير الجميل في عام 1986 وقد دفع الجميل حياته ثمنا لذلك الإتفاق الخياني.
الحقيقة ان العلاقات الإسرائيلية العربية المحرمة بدأت على استحياء منذ تأسيس الدولة العبرية بل قبل التاسيس وفق وثائق صحيحة بعد أن تم الكشف عنها ونفض الغبار عن تاريخها.
وكانت الدولة الإيرانية البهلوية تقود تلك التحركات وتقيم أوثق العلاقات إلى ان قطعت بشكل تام بعد الثورة الإسلامية الإيرانية وساد العداء بدل الوفاق بينهما.
الحقيقة ايضا ان الدول العربية دول مصطنعة بالكامل، وحدودها مختلقة تماما رسمت على الورق، من قبل المستعمر الغربي سواء في سايكس بيكو أو في سان ريمو أو بين القبائل العربية المأجورة في الخليج. وكل هذه الدول أقامتها بريطانيا وهي التي رسمت حدودها عبر تسويات عشائرية وقبلية وسلطوية بل حاولت خلق دولة من قبائل البحرين وقطر وإمارات الإمارات السبعة ولكنها فشلت. وبالتالي تكونت هذه التكتلات السكانية وغدا لها حدود وصحراء ومدن، وساعد في ذلك كله نهضة البترول ومشتقاته. وغدت تشكل قوة ناعمة تؤثر وتتدخل في اليمن وليبيا وفلسطين والسودان وتشتبك مع تركيا أو مع الجزائر وهكذا دواليك.
في زمن الضعف والإنحطاط العربي تبدو ظروف إقامة علاقات إماراتية إسرائيلية نتاجا طبيعيا لتدهور منظومة القيم العربي والتهاوي نحو القيعان في الدرك الأسفل. فهذه دولة أوليجارشية عائلية تخلو من أي مظهر ديموقراطي ولكنها تعج بالمال ووسائل الحداثة والجلابيب البيضاء تبحث عن وسائل حماية لنظام لا يستطيع تقديم اية حماية رغم المال الوفير والسعة والراحة المؤقتة والنعيم الزائل.
فكان بحث دولة الإمارات العربية المتحدة عن صديق سلطوي قوي شرس يحميها من طمع الطامعين التي تتخيلهم أو تفترضهم أو من أوحي لها بأنهم يطمعون في ثروتها. فوجدت ضالتها في دولة الإحتلال الإسرائيلي علها تقدم لها وجبة الحماية من عدو مشترك متمثل بالدولة الإيرانية. فخاضت هذا المخاض القميء، رغم حجم التبادل التجاري الكبير بينها وبين إيران الذي يزيد عن عشرة مليارات دولار أمريكي سنويا. وأساءت إلى مشاعر مئات آلاف الفلسطينيين الذين يعملون بالإمارات وإلى العروبة وقيم الإسلام ومبادىء وقواعد القانون الدولي العام وحقوق الإنسان بل ومقررات الجامعة العربية الجوفاء.
خطوة غبية سياسيا ليست في صالح الإمارات وستضر بالإمارات ضررا بالغا وستندم عليها الإمارات ندما شديدا يوم لا ينفع الندم. فالإحتلال الإسرائيلي ياخذ ولا يعطي، يفرق ولا يوحد، يمزق ولا يوحد، يستغل ولا يفيد. قد يعطي من الحديث طلاوة ولكنه يروغ منك كما يروغ الثعلب. فالوفد الإسرائيلي كان قابعا في فنادق أبو ظبي والطائرات الإسرائيلية الحربية تدك مواقع سورية عسكرية وتقتل جنودا سوريين وتجرحهم.
حتى من باب اللياقة والدبلوماسية الكاذبة لم يقم الإسرائيليون بتأجيل ضربتهم إلى المواقع السورية إلى تاريخ لاحق بعد مغادرة أرض الإمارات. أية بجاحة وقلة احترام للإماراتيين، هذا يثبت أن السياسة العدوانية الإسرائيلية لها الأولوية في رسم الخطوات الإسرائيلية. فرغم الزعم بتاريخية الخطوة والرحلة للإمارات إلا أنها لم تمنع الطيران الإسرائيلي بالقيام بغارته على إخوة سوريين يفترض أنهم أخوة للإماراتيين دينا وعرقا. تماما كما قامت إسرائيل بقصف المفاعل النووي العراقي واحتلال مدينة بيروت عام 1982، ولم يمنعها من ذلك توقيع كامب ديفيد مع المصريين.
صحيح أن ترامب على راس الولايات المتحدة ونتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، مما شجع حكومة الإمارات على الإقدام على هذه الخطوة المتهورة غير الحكيمة والضارة. لكن ترامب غير باق لأربع سنوات أخرى والأرجح أنه ساقط لا محالة، ونتنياهو يكابد ويعاند حتى لا يدان جنائيا ويقصى من الحياة السياسية نهائيا إلا إذا عزمتم تعيينه مستشارا استراتيجيا في بلاطكم العامر بعد قضاء مدة محكوميته. أية اعتبارات قادتكم إلى هذه السياسة العقيمة، اية تبعية أنزلتكم هذه المنزلة، واي عمى أصابكم لتتهاووا إلى هذا القاع.
أية حماية ستحصلون عليها والحزب الديموقراطي سيعيد العلاقات والإتفاقية مع إيران لسابق عهدها. ما الذي يجعلكم تفرطون باستقلالكم من أجل العيون الإسرائيلية. ماذا ستقدم لكم إسرائيل في مواجهة الغضبة الإيرانية إن حدثت.
وهل سيتحرك الكونجرس الأمريكي في مواجهة إيران إن تحرشت بالإمارات جدلا. أي غباء قادكم لهذه الخطوة التي ستدمركم ذاتيا أو ستضركم على الأقل. هل ستعيد إسرائيل إليكم جزركم السليبة، هل ستحميكم إسرائيل من قذيفة أو صاروخ إيراني لا سمح الله.
الأ تتعظون أيها الساسة الإماراتيون من غيركم وأخطائهم. فمثلا رئيس الوفد الإسرائيلي الذي زاركم هو رئيس مجلس الأمن الإسرائيلي ويعتمر الكيبا، بمعنى آخر أنه من سلالة المتطرفين الذين يحملون زهرا ساما بينما حقيقتهم بأنهم من مقتلعي أشجار الزيتون الفلسطينية وسارقي مياهنا وثرواتنا. هل ستحميكم إسرائيل إن قررت إيران إغلاق مضيق هرمز.
ماذا ستستفيدون من كل هذه البدع الضالة التي أدخلتم إياها إلى مجتمع ممزق، ألا يكفينا ضياعا وتمزقا. أتريدون المزيد من الضياع والتمزق والتفرق؟
القوة الناعمة الإماراتية يجب أن تستغل لرفعة الشعوب وتقدمها، وأن لا تسخر لخدمة المحتلين المستعمرين الذين يقيمون نظاما للفصل العنصري. القوة الناعمة الإماراتية يجب أن تنتصر لقوى الحق وأن تهزم قوى الظلام ولو أعجبها حسن مظهرهم وبديع لفظهم. كفاكم تدخلا في الشؤون الخارجية سواء في اليمن أو في مصر أو في فلسطين واحرصوا على شعبكم فهو أولى الناس بكم. ” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض “.