بدون مؤاخذة.. قانون القوّة

جميل السلحوت | فلسطين – القدس الشرقية

من يتابع ما يجري على السّاحة الدّوليّة لن يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليصل إلى حقيقة أن لا وجود للقانون الدّوليّ، ولا للشّرعيّة الدّوليّة، وأنّ شريعة الغاب هي السّائدة، فمثلا الدّولة الأعظم والأقوى الولايات المتّحدة الأمريكيّة التي بدأ نجمها بالأفول بعد ظهور قوى اقتصاديّة عالميّة منافسة لها، بدت في عهد ترامب كالضّبع الجريح، وترى في نفسها شرطيّ العالم، فانسحبت من عدّة منظّمات دوليّة إنسانيّة، كمنظّمات حقوق الإنسان، ومنظّمة الصّحة العالميّة، وغيرها.

 وشرعت بمحاصرة و”معاقبة” بعض الدّول كإيران وسوريّا، وتفرض عقوبات تجاريّة واقتصاديّة على دول ومنها  دول عظمى كروسيا والصّين، وعلى شخصيّات دوليّة كالمدّعي العام في محكمة الجنايات الدّوليّة. وانسحبت من اتّفاقات سابقة وقّعتها ووافقت عليها، كانسحابها من الإتّفاق النّووي مع ايران. وتقوم بتقسيم العالم من جديد حسبما يتّفق ومصالحها، وتجلّى ذلك باعترافها بالقدس العربيّة المحتلّة كعاصمة لحليفتها اسرائيل، كما اعترفت بالسّيادة الإسرائيليّة على الجولان السوريّة المحتلة، ووهبت اسرائيل ما نسبته 30% من مساحة الضّفّة الغربيّة لتضمّها إليها، وتجاهلت تماما الحقوق الطّبيعيّة الثّابتة للشّعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة على تراب وطنه.

وأمريكا برئيسها ترامب تتعامل مع العالم كصفقة تجاريّة ومدى أرباحها منها، وعلينا الإنتباه أنّها تعتبر العالم العربيّ من المحيط الذي لم يعد هادرا إلى الخليج الذي صار فارسيّا كمحميّات أمريكيّة، فهي المستفيد والرّابح الأوّل من البترول الذي لم يكن يوما عربيّا، وتفرض على وكلائها الذين يديرون هذه البلدان نيابة عنها ما تريد دون أن تستشيرهم، وما عليهم إلا تنفيذ الأوامر، حتّى أنّها جرّدتهم من “سلاح الشّجب والإستنكار” الذي سمحت لهم باستعماله في مرحلة تاريخيّة معيّنة، ومن يخالفهم فإنّ الحرب عليه واستبداله أمر مفروغ منه، من هنا جاء احتلالهم وتدميرهم للعراق وقتل وتشريد شعبه عام 2003، ومن هنا جاءت حربهم المستمرة على ليبيا منذ أواخر العام 2010، وعلى سوريا منذ العام 2011، وعلى اليمن منذ العام 2015، ومساهمة وكلائها في لبنان لتدمير الإقتصاد اللبناني، من أجل القضاء على حزب الله، وإعادة لبنان إلى الوصاية الفرنسية! وتقسيم السّودان قبل ذلك.

ومن هنا جاء تهافت محميّة الإمارات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وستتبعها محميّات أخرى حسب برنامج مخطط ومدروس.

وأمريكا التي تريد تجيير المنطقة العربيّة وإخضاعها لسيطرة ربيبتها اسرائيل، ما كانت لتنجح في ذلك دون وجود كنوزها الإستراتيجيّة في المنطقة، الذين ضللوا الشّعوب وأدخلوها في سلك العبوديّة دون أن تعي ذلك، ولن تتردّد في استبدال خيول رهاناتها عندما يستنفذون مهمّاتهم، وما جرى لنظام حسني مبارك في مصر وزين العابدين في تونس ببعيد.

ومن اللافت أنّ هناك من العرب من يعتقد أنّ له دولة مستقلّة وذات سيادة، وهذه قضيّة تحتاج إلى دراسات وأبحاث؛ لنقف على مدى الخراب الذي نعيشه. تماما مثلما هم من يراهنون على القانون الدّوليّ والشّرعيّة الدّوليّة، متناسين أنّ القويّ يفرض قوانين شريعة الغاب التي تخدم مصالحه، والحديث يطول.  

5- سبتمبر 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى