كاملُو النّقص
سجى مشعل | فلسطين
لا أؤمن بالكمال، بل أؤمن أكثر بأنّ عيوبنا مختبئة ومندثرة تحت ثيابنا، فنحن نستيقظ صباحًا يومَ يوم لنرتدي الثّياب الّتي تُداري أوجاعنا الماضية، والّتي تَخُمّ فينا كلّ ما آل إليه أرق السُّهاد، نتابع السّاعة، نفتح الحنين على مصراعيه عند أغنيّة فيروزيّة على المذياع. ثمّ نفوق من وَلَهِنا الماضي الّذي لن يعود، أؤمن بأنّنا جميعًا نعاني من عيوب، من ثغرات، من شيء ناقص نرغب في ملء مكانه أو تجاهله ربّما، أؤمن بأنّنا نرغب في قصّ حكايانا على اللّيل الشّريد ونريد أن نفضفض ونبوح لأيّ شيء سوى البشر.
وعارفةٌ بأنّنا وبصفتنا بشر نحتاج إلى فكرة النّقص، نحتاجها كثيرًا، بالرّغم من مداراتنا لها أمام العوامّ أو حتّى ذواتنا، لكنّ اللّذيذ في عدم اكتمال الأشياء هو أنّنا نبحث فيما وراءها، نظلّ نطارد كلّ شيء رغبنا فيه، نظلّ نبحث بلا تَملمُل، فلو كانت كلّ الأشياء في متناول الأيدي فأين المتعة إذن؟.
نحبّ أن يُملأ رأسنا بغزير الأفكار اللّاتي تشغلنا طيلة وقتنا، تلك الّتي لا تفتح لنا مجالًا بأن نكون فارغين نتتبّع أيّ راحل أو حتّى نشمّ رائحة خذلان من طرف البشر، نحبّ أن نبحث فيما وراء الطّبيعة الّتي نحن جزء منها، فنرغب جدًّا في فكرة ملء فراغات يومنا وعقلنا بمطالعة أنفسنا وقراءتها كنصوص الكتب المفتوحة، ونرغب طويلًا بأن ينتهي الألم من خلال مشاهدة أحداث ووقائع كان يجب أن تحدث معنا لنشعر بالرّاحة. فَفكرتنا الّتي يجب أن نتبنّاها هي التّعايش مع النّقص، هي فكرة أن نحبّ عيوبنا، ونتقبّل هوامش شخصيّاتنا الّتي تميّزنا عن غيرنا، فالقوّة الأكبر الّتي يَمُنُّ الله بها على عباده هي تقبّل الذّات، فريثما تقبلّنا صورنا، هشاشتنا المُخبّأة، ركودنا، جنوننا، أمراضنا، هفواتنا، رتوقاتنا، مجامع حفرنا، اسوداد أسفل العيون، أرق ليالينا، ماضينا، حاضرنا، وأطعمة الحياة المُختلفة والّتي تتقلّب حسبما يَقضي الطّقس به، فنحن وحينها فقط سنكون كاملين بنقصنا، كاملين ببشريّتنا