بدون مؤاخذة.. علومنا وعلوم الكفار
جميل السلحوت القدس العربية | فلسطين المحتلة
من حقّ المواطن العربي والمسلم أن يتساءل عمّا قدّمه العرب والمسلمون للعلوم الحديثة، وما هي مساهماتنا في الصناعات والاختراعات والتقدّم العلمي الهائل الذي شهده ويشهده العالم؟ ولماذا تتصدّر الدول العربية الاسلامية وشعوبها قوائم الفقر بين الدول والشعوب الأخرى؟ حتى الدّول النفطية ذات المداخيل العالية من ثرواتها النفطية التي تستخرج بأيد وعلم أجنبيّ ماذا ساهمت هي الأخرى في العلوم والابتكارات الحديثة؟ وما سبب هذه التخلف الذي يسود العالمين العربي والاسلامي على مختلف الأصعدة؟
وقد أجاب على هذه الأسئلة العالم المصري الدكتور أحمد زويل في محاضرة له في جامعة القاهرة، والتي قال فيها أنّ الشعوب والدول لا تنمو ولا تتطوّر إلا بالتعليم، وهذا يتطلب تطوير المناهج الدراسية في مختلف مراحلها، وتنشيط ودعم مراكز البحث العلمي. وهذا بالطبع يحتاج إلى جهود الدّول، فهي القادرة على هذا النهوض، لكن ما يحصل عندنا هو العكس تماما، فقد تفوّقنا على الدول والشعوب الأخرى بكثرة الهزائم المتتالية التي نحصدها، ومع ذلك لم يحصل عندنا مراجعة لهذه الهزائم، وإن راجعناها ووقفنا على أسبابها فاننا لا نعمل على وضع الحلول لها، والأدهى والمحزن أنّنا نتغنى بهزائمنا ونعتبرها النتصارات.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الدّول المتقدمة على تطوير نتاجها الصناعي والزراعي وزيادة مداخيلها، وتطوير مناهجها الدراسية، وزيادة انفاقها على مراكز البحث العلمي، وتعمل على نشر ثقافتها، نجد الدول العربية والاسلامية تعمل على تكريس الجهل، وينشط حكامها لاسترضاء الدّول الغنية للحصول على قروض مالية منها بفوائد عالية؛ لصرفها على أمور استهلاكية، لتتراكم الديون التي تجعل اقتصاد الدولة المدينة رهينة للدول الدّائنة. ومع ذلك نجد بيننا من يتغنى بأنّنا ” خير أمّة أخرجت للناس″ وينسى أنّنا كنا كذلك، لكننا لا نسعى لنكون كما كنّا، ولا نسعى لنواكب العصر الذي نعيش فيه.
ومن المفارقات التي لم تعد عجيبة أن يتصادف مثلا هبوط مركبة فضائية علمية من بلاد “الكفار” على كوكب المريخ بعد أن قطعت ملايين الكيلومترات، لتبحث عن حياة في الكواكب الأخرى، في الوقت الذي كان يحتفل به في إحدى جامعاتنا العربية برسالة ماجستير لأحد “علمائنا” في “فقة الضراط” واحتفل قبلها بحوالي عام بحصول “عالم” على شهادة الدكتوراة من إحدى جامعاتنا العربية الكبرى حول”الحجاب عادة وليس عبادة” وبرع “علماؤنا” في اكتشافهم “علاجا” لجميع الأمراض يتمثل بشرب بول البعير، وتفنّن “علماء” آخرون بالفتاوي التي تتعلق بالنصف السّفلي من جسد الأنثى، وزواج الرّجال المسنّين من طفلات، وما يتعلق بارضاع الكبير، ووصلت الأمور بعدد من “العلماء” بأن يفتوا بأن الرجل الشهم لا يحضر أنواعا من الفاكهة والخضار كالموز والخيار وما شابههما إلى بيته؛ لشبهها بالعضو الذكريّ الذي يثير غرائز النّساء، واذا كان لا بدّ من احضارها فعليه أن يقطعها قبل دخولها البيت! والسؤال هو: ألا يكفي ما جاء في كتب الفقه القديمة من أحكام حول “الضراط” و”الحجاب” وغيرهما؟ أم أنّ هناك تطوّر في “الضراط” وغيره يستدعي الاجتهاد والبحث؟
أليس محزنا أن نرى فضائيات، وبرامج في فضائيات أخرى لنصّابين ومحتالين ومشعوذين يزعمون استقراء الطالع، وعلم الغيب، وضحاياهم كثيرون من ملايين الجهلة والأميّيّين؟
جميل أن يكون بيننا علماء يعون أمور دينهم، لكن أين علماؤنا في أمور الدّنيا؟ ولماذا لا يوجد مكان لعلمائنا في بلداننا؟ ولماذا تحتضنهم دول”الكفر” المتقدّمة؟ وهل ينتبه “علماء” الدّين الى علوم الدّنيا؟ وهل سمع أحدكم خطبة في صلوات الجمعة تحث على تطوير المناهج الدراسية وطلب العلوم الدّنيوية؟ وهل سمعتم خطيبا يعتلي المنابر مطالبا بتصنيع البلاد وتطوير الزراعة واستغلال الموارد الطبيعية؟ وفي الواقع فان العكس هو الصحيح، فهناك من يهاجم العلوم الحديثة ويعتبرها مفسدة، مع أنّه لا علاقة لهذه العلوم بالعلوم والأحكام الشرعية، وهي لا تحرّم حلالا ولا تحلّل حراما، علما أن الدّين الصحيح يحث على التعلم والتفكير.
وتزداد الأمور تعقيدا عندما نجد تنظيمات “متأسلمة” كداعش وأخواتها، والتي تريد إعادة الرّق والعبوديّة، وتبطش بالمواطنين من غير المسلمين وبالمسلمين الذي يخالفونها الرأي وتقتل وتهدم وتذبح وتحرق وتنتهك الأعراض بدون رحمة. ونتيجة للجهل والفهم الخاطئ للدّين الصحيح نجد من يناصرهم، وهم بالتأكيد مموّلون ومسلحون ومدربون من قبل دول”صديقة” وبمال عربي ومسلم، ثمّ لا يلبثون أن يتعرضوا هم أنفسهم للقتل من قبل مموليهم وداعميهم بعد أن يستنفذوا مهماتهم في تحقيق أجندات أجنبية، نتائجها كارثية على العرب والمسلمين كدول وكشعوب.
فالى متى سيبقى حالنا هكذا؟ ومتى ستصحو شعوبنا؟