” الأحلام ورسائلها” قراءة لسيكولوجيا الأحلام

صبري الموجي| رئيس التحرير التنفيذي لجريدة (عالم الثقافة)

الحلم هو حديث النائم صمتا أثناء هدأة الليل، وهو خبرةٌ نفسية عالمية وعامة، قديمٌ قدم الحضارة الإنسانية، وكتاب (الأحلام ورسائلها) لأليخاندروا بارا عالم النفس الشهير بأمريكا اللاتينية ترجمة د. سماح خالد زهران أستاذ علم النفس الاجتماعي بعين شمس، والتي تنوعت أعمالها بين مؤلفات ومؤتمرات وترجمات أثرت مكتبة علم النفس، ليس كتابا لتفسير الأحلام، بل هو كتابٌ يساعد الفرد علي فهم ذاته من خلال أحلامه، ويكشفُ ضمن ما يكشف عن ماهية الأحلام وأنواعها والعوامل المرتبطة بها، اعتمادا علي الثقافات الإنسانية المُفسرة لرموز الأحلام عن طريق تدوين أحلامنا، لمعرفة ما يشغلنا، وما تحدثنا به أنفُسنا قدر المُستطاع، فرسالة الكتاب تقول: “اعرف نفسك من خلال أحلامك”، أو “استمع لأحلامك من أجل حياة أكثر وعيا”، ومن ثم فهو أسلوب علمي عملي تدريبي ذاتي؛ لإدراك الذات من خلال العمل علي الأحلام، أي أنه سيساعدك في فك طلاسم أحلامك، ورموزها المشفرة وترجمة لغتها.

فأحلامك هي أنت، هي تعبيرٌ عنك، عن مشاعرك وخبراتك، مشاكلك وآلامك، آمالك وطموحاتك، عن عمرك ومُعتقداتك، فإذا كان هناك همٌ يقض مضجعك، أو قضية تشغلك، أو مشكلة تؤرقك، فستجد أحلامك تناقشها معك، ومن ثم ينصحك هذا الكتاب بتخصيص دفتر لأحلامك، تحاول فيه تتبعها ودراستها، ومعرفة طبيعتها ووتيرة تكرارها؛ لتري كيف تتحدث نفسُك إليك، وكيف تعبر عن نفسك وتتغلب علي مشكلاتك، بل إنه يساعدك علي تجاوز حدود الزمان والمكان؛ لتكون أكثر وعيا بالماضي والحاضر والمستقبل، فتدرك أشياء ما كان بإمكانك أن تدركها بحواسك الخمس.

ومن خلال الرحلة بين صفحات الكتاب تلمس انتقال دراسة الأحلام من التأملات والأساطير إلي التجارب المعملية المضبوطة، حيث أصبحت للأحلام أنواعٌ وأشكال وطرقٌ تعبيرية، ولم تعد فقط تشير لرغباتك المكبوتة، كما كان بالمدرسة النفسية الكلاسيكية، بمعني أن تلك الأحلام ليست رسائل ُمقدسة، كما أنها ليست رغبات مُدنسة، بل هي وسيلةٌ لحياة أكثر وعيا، من خلال فهم الذات وتوطيد علاقات صحية مع الآخرين.

وترجع أهمية الكتاب إلي أن الكل يحلم، ولكن لا يتذكر الجميع أحلامه عند الاستيقاظ، والغالبية العظمي ذات علاقة مجازية بأحداث وأشخاص تمر علي الحالم في حياته اليومية، ولكل عنصر من عناصر الحلم مهمة ودلالة بالنسبة للحالم.

فهناك ما يدل علي أن الأحلام تسجل المشاكل والتغيرات الصحية للحالم وتنذر بها، فقد لاحظ ” يونج” أن بعض المرضي يحلمون بموت أو إصابة لأي حيوان حي لديهم مثل الحصان، وهو رمز فني يشير لجسم الإنسان، ويعقُب ذلك مرحلة يعاني فيها الحالم من مرض خطير، كما أظهرت دراسة بولاية جامعة ميتشجان أن مرضي القلب الذين حلموا بالدمار والموت والتشويه كانت حالاتهم المرضية أكثر خطورة ممن لم يحلموا بمثل ذلك.

واللافت من مطالعة الكتاب أن الهدف منه هو تقديم تحليل وجيز وشامل عن الأحلام والمنامات(أشباه الأحلام)، فضلا عن  توفير تقنيات لتذكر الأحلام، والانتفاع بها عبر عدة فصول فحص فيها الكاتب طبيعة الأحلام، وكيف أنها حيرت البشرية منذ أوقات مبكرة، حيث نُسجت حولها طقوسٌ ومُعتقدات كثيرة، مثل اعتقاد علماء دراسة أصل الأجناس(الأنثروبولوجي) أن التعامل مع الأحلام النفسية من مهام العراف، وأننا في الأحلام ندخل حياة نفسية مُقدسة نستعيد فيها علاقاتنا المباشرة مع السماء، ونصبح علي صلة بنفوس من سبقونا، وأرواح أسلافنا، كما يوضح الكتاب كيف كانت الأحلام مصدر إلهام، وكيف مثلت حلولا لمشكلات، وقدمت أفكارا لمخترعات، مثل صناعة الرصاص بإسقاط قطرة من الرصاص المنصهر من برج مُرتفع والذي اخترعه جيمس وات استلهاما من سقوط المطر، وكيف حل أوجست كيكولة مشكلة التركيب الكيميائي للمركبات العطرية، والتي تحتوي علي كربون وهيدروجين، حيث لاحظ أن ذرات الكربون يمكن أن تشكل سلاسل، يمكن أن تكون بمثابة العمود الفقري للجزيئات المعقدة، من خلال حلم رأي فيه جزئ البنزين كثعبان يتلوي ويرسم دائرة ثم فجأة يلتهم ذيله، وغيرها العديد من الاكتشافات التي كانت مصدرها أحلام، كما صرح الشاعر الكبير والفيلسوف الألماني “يوهان فولفجانج جوته”أنه حل العديد من مشكلاته العلمية، وألف قصائد بالاستعانة بالأحلام، وتتوالي فصول الكتاب التي تتضافر جميعها لتفسير ذاتك من خلال حلمك، والتي من بينها فصلٌ بعنوان (إرهاب أو رعب المساء) وهو لا يشير إلي فيلم سينمائي بل يفسر ما يعرف بـ(الكابوس)وما يصاحبه من رعب وتعرق وحركات للجسم وصراخ؛ طلبا للمساعدة.

” الأحلام ورسائلها” من مطبوعات مكتبة الآداب  العريقة بالقاهرة ، حيث صدرته بغلاف ظهرت عليه عينٌ ناعسة، استغرق صاحبها في حلم طويل، وجاء في 184 صفحة من القطع الصغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى