حياتنا والخوف من الكورونا

أ.د. / رأفت عبد الباسط محمد قابيل – أستاذ علم النفس الاكلينيكي بكلية الآداب بجامعة سوهاج – مصر

    لا شك أن حياتنا غالية علينا، ولهذا يجب علينا أن نحافظ عليها، ومن متطلبات الحفاظ عليها هو الخوف عليها، ذلك الخوف الذي يجعلنا أكثر حرصاً ووعياً وإنصاتاً للتعليمات والتوجهات التي تكتب أو تقال أو تذاع هنا وهناك فيما يتعلق بكيفية وقاية أنفسنا من الإصابة بالكورونا، ومن ثم فإن الخوف الذي يساعدنا على الحفاظ على حياتنا هو خوف طبيعي، ومطلوب وضروري لاستمرارية بقاء الإنسان.

   وعلى الرغم من أن الخوف – كما أوضحنا – أمر طبيعي وضروري للوقاية من الإصابة لا قدر الله من الكورونا، ومن ثم الحفاظ على بقاءنا في الحياة إلا أن هذا الخوف نفسه قد يكون سببا في فقد هذه الحياة وخاصة لو كان خوفاً مبالغ فيه، فالخوف المبالغ فيه يسبب في إصابة صاحبه بحالة من العجز والشلل تفقده القدرة على الاستفادة من إمكاناته وقدراته الهائلة في مواجهة المواقف الصعبة مثل الموقف الصعب الذي نواجه اليوم بسبب انتشار فيروس الكورونا.

   فالإنسان أمامه الأن اختيارين: إما أن يسيطر هو بنقسه على الخوف، ويصبح شجاع ومقاتل ويستطيع أن يتحكم فيه فتكتب له السلامة، والبقاء في الحياة ويكون لسان حاله ” يا جبل ما يهزك ريح، ولو الجبل ينهد احنا ما نتهدش، في أي حاجة نسد أصلاً ومانتهزش ” ، وإما أن يسيطر عليه الخوف، ويجعل منه شخص جبان، وضعيف، وغير قادر على مواجهة هذا الشبح الذي يسمى بالكورونا (كوفيد -19)، الأمر الذي يجعل حياته في خطر وتحت التهديد.

   السؤال الذي أود طرحه الآن كيف يمكننا التغلب على الخوف، والتحكم فيه، وفي درجة شدته بحيث لا تصل إلى الدرجة التي يُضعف مناعتنا، وقدرتنا على المواجهة والتصدي لهذا الفيروس القاتل؟

   بداية يجب علينا أن نكون على وعي بحقيقة أن قلب الإنسان إن سكنه الخوف من الله سبحانه وتعالى زال عنه الخوف من أي شيء سواه حتى وإن كان هذا الشيء يستحق ويستدعي الخوف منه، وفي نفس الوقت لو خلا قلب الإنسان من الخوف من الله أصبح عرضة للخوف من أي شيء حتى ولو كان هذا الشيء لا يستحق، ولا يستدعي الخوف منه.

   ويكون الخوف من الله هنا بمثابة تطعيم للإنسان الذي يخاف ويخشى الله حق الخشية ضد أي مخاوف قد تنتابه، حيث أن هذا الخوف من الله يجعل هذا الإنسان متهيئا نفسيا لتقبل أي ابتلاء، الأمر الذي يكسبه الإحساس بالطمأنينة والسكينة والثقة بأن الله لم ولن يضيعه، ولعل هذا الموقف يذكرني بموقف السيدة هاجر عندما تركها سيدنا إبراهيم عليه السلام في وادي موحش يدعو للخوف والرعب والفزع حيث لا يوجد فيه إنس، ولا زاد، ولا ماء، الأمر الذي جعلها تسأله ” أين تذهب، وتتركنا بهذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء؟ وهو لم يرد عليها، ولا يلتفت إليها مما جعلها تقول له ” ألله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فإذا بها تقول إذن لا يضيعنا، إنها الثقة بالله بأنه لم ولن يضيع من خافه وحده حق الخوف، وعاش في معيته.

   وبناءً عليه فمن كان مع الله كان الله معه، وأكسبه قوة التحمل، وألهمه الصبر، وأعطاه قوة وشجاعة مواجهة المواقف الصعبة، وهذا لا يتعارض أبدا مع ضرورة الأخذ بأسباب التغلب على مخاوفنا، والتي يمكن حصرها في النقاط التالية:

– تجنب تغذية مخاوفك، فكل واحد منا لديه مخاوف فبدلاً من أن يعمل على تغذيتها وتكبرها، عليه أن يعمل على التقليل منها وذلك من خلال عدم تتبع الأخبار السيئة التي تثير الخوف والرعب والفزع بداخلك كأن تتبع أعداد الإصابات أو الوفيات كل يوم وخاصة أن البعض منا يميل إلى التركيز فقط على معرفة حالات الإصابات والوفيات دون النظر للحالات التي تم شفائها أو عدد الحالات التي تعافت وتحولت من حالات حرجة إلى حالات تماثلت للشفاء.

– لا تشارك في نشر الأخبار السيئة التي تثير الخوف والرعب ليس فقط في نفسك، وإنما أيضاً في نفوس غيرك، ولكن أنشر الأخبار المفرحة السعيدة التي تدعو للتفاؤل، وتجدد الأمل وتدخل السكينة والطمأنينة في نفوس من يسمعها، وترفع معنوياتهم، وتقوي جهاز مناعتهم. ” تفاءلوا بالخيرً تجدوه”

– تجنب الحديث السلبي للذات، فلا داعي أن تُحدث نفسك بأحاديث سلبية تضعف مناعتك وقدرتك على مواجهة هذا الفيروس في حالة مهاجمته لك وذلك بأن تقول لنفسك على سبيل المثال أنا غير قادر على مواجهة هذا الفيروس، أنه فوق طاقتي، لم أستطع حماية نفسي وحماية أولادي منه، أنا عاجز، فماذا لو أصاب أولادي وأحبائي؟ وتسبب في وفاتهم؟ يارب أجعل يومي قبل يومهم، أنا خلاص لم أعد قادر، يارب خدني بأه .. هذا استرسال في أحاديث سلبية، فلا داعي لمثل هذه الأحاديث لكونها تجعلك في حالة استسلام وضعف، وتصبح بهذا فريسة سهلة للانقضاض عليك من قبل هذا الفيروس القاتل.

– تصحيح الأفكار الخاطئة – التي في حالة لو لازمتك، ولم تتخلص منها – سيطرة عليك وافقدتك القدرة على مواجهة هذا الفيروس القاتل وذلك بأن تعتقد على سبيل المثال أنك نحس وسوف تصاب بالفيروس مهما عملت، ومهما فعلت، ومهما اتخذت من أسباب الوقاية منه، حيث نجدك تقول لنفسك ” أصل أنا عارف نفسي أنا منحوس، والمنحوس منحوس ولو علقوا على رأسه فانوس “، الأمر الذي يفقدك الحيوية والطاقة والإيجابية، ويجعلك مستسلم للمرض، وبناءً عليه أنصحك بأن تكون فضوليًا بشأن مخاوفك، وحاول استكشاف وتحديد الأفكار التي تدور في رأسك، والتي تجعلك تشعر بالخوف والخطر والتهديد، تأملها جيداً ستجد أن أغلبها غير منطقية، وغير عقلانية، عليك إذن التخلص منها في أسرع وقت، فوجودها يؤثر فيك سلباً دون أن تشعر.

– ضع لنفسك أسوء سيناريو وهو إصابتك بالمرض، ومن ثم التعرض للموت لا قدر الله، مع إيمانك القوي بالقدر خيره وشره، فهذا من شأنه أن يساعدك في الحفاظ على خوفك والتحكم فيه، وما يترتب عن هذا من تقوية جهاز مناعتك مما يجعلك أكثر قدرة على مواجهة ومقاومة هذا الفيروس وخاصة وأن الله كتبَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أن يخلقَ السّماوات، والأرضَ بخمسين ألف سنة.

– ولو أصابك بالفعل – لا قدر الله – المرض فلا داعي أن تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعل، وتعامل بشجاعة مع الموقف، ومع اللحظة الراهنة بلا خوف، واعلم أن الأمة لم اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.

– لا شك أن اتباع تدابير الوقاية والحماية ضد هذا الفيروس يجعلنا في حالة من الرضا عن الذات والاطمئنان وعدم الخوف، فاحرص على الأخذ بتلك التدابير، والتي تتمثل في التباعد الاجتماعي والجسدي، وفي نظافتنا الشخصية مثل غسل الأيدي جيداً بالماء والصابون، وفي حالة الخروج من المنزل ينصح باستخدام الكمامات والقفازات الطبية.. وإلخ.

– وأخيراً وليس بأخر هل تعلم أن الطعام الذي تأكله يؤثر بشكل كبير على مشاعرك؟ فعلى سبيل المثال فإن نسب السكر المرتفعة والحلويات والأطعمة المصنّعة تسهم بشكل سلبي في الإخلال بتوازن جسمك، الأمر الذي يؤثر في كثير من الأحيان على مشاعرك وأفكارك، فلا شك وأن الالتزام باتباع نظام غذائي صحي جيد له أثر كبير على مشاعرك، وتقوية جهازك المناعي، وقدرتك على مواجهة مخاوفك، وبناءً عليه يمكنك البدء في اتباع نظام غذائي متنوع يساعدك في تقوية جهازك المناعي حتي تكون قادراً عل مواجهة مخاوفك، وقادراً على وقاية نفسك من الإصابة، وذلك من خلال إضافة أطعمة صحية بشكل تدريجي إلى نظامك الغذائي بحيث يحتوي على خليط متنوع من الخضار والفواكه والمكسرات والبذور والبقول، إلى جانب بعض اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان يوفر الفيتامينات والمعادن والمغذيات الأخرى التي يحتاجها جهازك المناعي ليقوم بوظائفه على أفضل وجه في مواجهته لهذا الفيروس القاتل الذي ندعو الله أن يحفظنا جميعا منه، ويكتب لنا السلامة.. اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى