هشاشة الوضع العربي ونبوءات المستقبل
محمد علوش | فلسطين المحتلة
لطالما كان التأويل الفلسطيني على الواقع العربي عنواناً أساسياً من خلال التمسك بالعمق العربي للقضية الفلسطينية وهذا الشعار ما زال قائماً ولن يسقط بفعل تداخل المهام العربية الفلسطينية تاريخياً والارتباط الجدلي بين الشعب الفلسطيني وعمقه العربي واحتضان القضية الفلسطينية من قبل جماهير وقوى وحركات الشعب العربي الممتد من المحيط الذي الخليج والذي أسهم في الانخراط في الثورة الفلسطينية والدفاع عن القضية الفلسطينية وبخاصة ابان التجربة والثورة الفلسطينية في لبنان وفي سوريا وفي غيرها من مواقع الثورة والفعل الفدائي الفلسطيني وعلى وجه الخصوص في الساحة اللبنانية التي ما زالت تمتاز بنكهتها الخاصة كأيقونة لثورة العبقرية الفلسطينية التي قادها الثوار والشهداء والقادة المناضلون من قادة الشعب الفلسطيني في ظل غابة البنادق التي اتسعت للجميع وتميزت بتعدديتها السياسية والفكرية والعسكرية واستطاعت أن تجذب الشباب العربي ليلتحقوا بالثورة مقاتلين تحت راية فلسطين وعلى طريق تحرير فلسطين الأرض والإنسان .
هشاشة الوضع العربي اليوم في ظل تردي أوضاع الجامعة العربية وما تشهده البلدان العربية المختلفة من تباينات وتقلبات وتسارع في الأحداث على كافة المستويات وبخاصة بعد اندلاع أحداث ما سمّي بالربيع العربي الذي أسهم في اجهاض العلاقات العربية وتفكيك العديد من الدول وزعزعة أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها وأدى الى اسقاط أنظمة حكم شمولية في العالم العربي وصعود تيارات سياسية جديدة الى سدة الحكم كما هو حال قوى الاسلام السياسي وبعض التيارات الليبرالية وغيرها وقيام أنظمة حكم جديدة أكثر انغلاقا وتخلفا ورجعية مما كانت عليه الأنظمة السابقة وتنمر دول حديثة العهد لم يكن لها أي شأن يذكر على دول ذات تاريخ حضارة ضاربة جذورها في عمق التاريخ كما هو حال اليمن وليبيا وسوريا التي تتعرض منذ سنوات لتدخلات سافرة في شؤونها الداخلية ، بل ويعتدى عليها بطريقة همجية من قبل أنظمة هامشية كالإمارات وغيرها بدعم مباشر من قبل الادارة الأمريكية وحلفاء الامبريالية والرجعية .
هشاشة النظام الرسمي العربي والتحولات السريعة العاصفة في المنطقة العربية وضعت القضية الفلسطينية ” على رف هذا النظام ” وهذا هو الحال تاريخياً من بقبل العرب الرسميين الذين لم يسهموا سوى في الأذى بحق شعب وقضية فلسطين ولم يقوموا بالواجب القومي اتجاه الشعب الفلسطيني وتوفير مقومات دعمه وصموده رغم الامكانيات المهولة التي تمتلكها الأمة العربية .
نحن في هذه الأيام نعيش حالة سراب وهوان وضعف وترهل وتبعية وولاءات مطلقة للنظام الامبريالي المتوحش بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وهذا يدلل على عمق الهوة والفجوة بين الشعوب العربية وحكوماتها في الواقع العربي المعاش على مستويات مختلفة ، الأمر الذي ينذر بمزيد من الانكسارات في الوضع العربي العام وبخاصة على صعيد الهرولة للحضن الأمريكي والتطبيع الرخيص مع كيان الاحتلال في فلسطين ، حيث نشهد هذه الأيام حالات سقوط مدوية من أنظمة الخليج بعد هرولة الامارات والبحرين وأنظمة أخرى للتطبيع وتوقيع معاهدات ليس لها أي معنى مع دولة الاحتلال ، وهي الأنظمة التي زحفت وطبعت وأقامت علاقات أمنية واقتصادية وسياحية وتجارية مع الاحتلال منذ أكثر من 25 عاماً وهذا معروف عالمياً ، ويكفي أن ترى وتتابع العلاقات الحميمة بين الامارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان وغيرها مع كيان الاحتلال وكل ذلك لا يقلقنا ولا يشكل سوى سقوط أنظمة وفي وحل الخيانة ، فما يقلقنا في هذا الجانب هو هرولة ومواقف بعض النخب في بعض دول الخليج الذين انفلتوا في عقال الرزانة والاستقامة والواقعية الى نزيف التطبيع والتبجح بعباءة التطبيع ، بل وأحدهم يقدم أغنية سخيفة باسم: ((خذني زيارة لتل أبيب (( !!
ان الواقع العربي لن يتغير إلا اذا توفرت الارادة الشعبية وارتقت الحالة العربية نحو مستقبل واعد يمكن أن يشكل العرب متحدين فيه مكانة ما على خريطة العالم سياسيا واقتصاديا ، ولكن أمام ما نشهده وما نعيشه من تحولات كبرى في العالم العربي فالأمر مريب وكبير وخطير وهذا يحتاج الى اعادة بناء النظام العربي بعد أن سقطت الجامعة العربية وافرازاتها في لجة ومتاهة ووحل التبعية المباشرة بفعل صعود أنظمة حكم جديدة لها تأثيراتها على الواقع العربي كما هو حال النظام السعودي الجديد الذي يؤسس له محمد بن سلمان ولي عهد النظام السعودي الذي دشن ولاية عهده بتقديم العطايا لإدارة ترامب مقابل توفير الحماية لنظامه وللأنظمة الهشة في الخليج هي أوهمت هذه الأنظمة بالتهديد الايراني والبعبعبع الايراني تنفيذا لسياسة ترامب – المال مقابل الحماية – ولا حماية بدون مال !!
الوضع العربي يتطلب مؤسسة عربية وقادة عرب منتخبون من شعوبها ويتطلب قبل كل ذلك وعياً عربياً بحجم المؤامرة التي تتعرض لها الأمة العربية نحو تصفية القضية الفلسطينية وفرض سياسة تقسيم الدول العربية ، ولن يسلم أي بلد عربي من هذه الحرب المقبلة ، وعلى العرب أن ينتبهوا لما يجري حولهم وفي بلدانهم فطريق التطبيع هي بداية الطريق نحو الهيمنة والسيطرة الكاملة للأمريكان وحلفائهم وجماعاتهم الظلامية المتوحشة على مقدرات الأمة العربية .
الأمة العربية على مفترق طريق وطريق التغيير تبدأ بالديمقراطية والتعددية ووقف الملاحقات الأمنية وإطلاق الحريات العامة والتفكير بآليات اعادة البناء على أسس جديدة تعيد للمواطن العربي مكانته وكرامته المفتقدة وتعيد ثقته بمستقبله .