الخطأ القاتل .. قصة قصيرة
محمد حسين أبو حسين | كاتب فلسطيني – سوريا
صباحٌ تلُّف خاصرته غيومٌ متباعدةٌ تنذر بشدَّة الحرِّ القادم هذا النَّهار. أعدَّ عليٌّ قهوته على نارٍ هادئةٍ كعادته، غنَّى مع صوت فيروز، أشعل لفافة تبغه، ارتشف القليل من فنجانه، ثمَّ كزَّ على لفافة تبغه حتى كاد أن يخنقها.
شريطٌ من الأحلام داهمه فجأةً، وشريطٌ آخر من توقعات لقائه المرتقب اليوم مع تلك الفتاة التي تحمل همومًا كبرى، كانت قد دفعت بفضوله بأتجاه البحث عن سبل فكِّ طلاسمها وحلِّها. الوقت بدا بطيئًا جدًا؛ ساعة الحائط لا تتحرَّك وكأن عقاربها عضَّت على بعضها، والانتظار غدا ثقيلًا على روح عليٍّ، أشبه بصخرةٍ بوزن جبال.
خرج عليٌّ إلى مكان اللِّقاء، أحضر زجاجةً من الماء البارد، سابق خطواته في الشَّارع المزدحم وهو مسلوب التَّركيز غير مبصرٍ لضجيج الحياة من حوله، ثمَّ ما لبث أن توقَّف أمام بقاليَّة أبو العبد ليحضر زجاجةً من الشَّراب.
جلس محدِّقًا في المكان المألوف الذي بدا اليوم هادئًا وغريبًا على غير عادته. وما إن اقتربت السَّاعة من الظَّهيرة حتى تلبَّس وجهه القلق، فرك يديه متمتمًا: لقد تأخَّرت كثيرًا، يبدو أن اللِّقاء قد فشل. همَّ عليٌّ بالخروج حاملًا ذيول الخيبة، وبصره يتفقَّد مسرح الصَّفعة التي تلقَّاها، تأمَّل المكان سارحًا مشوَّش الذِّهن، وإذ به يُصدم لرؤية الفتاة أمامه، ظنَّها محض سرابٍ، إلى أن صحا من شروده ولمس وجودها بأمِّ عينيه.نحن هنا يا علي، قالت له.
ارتبك عليٌّ قليلًا وردَّ قائلًا: أهلًا وسهلًا. لقد تأخَّرت كثيرًا، كنت على وشك المغادرة.
شغلي تطلَّب ذلك، أنت تعرف أن الوقت ليس ملكي دائمًا.
جلسا مطوَّلًا وقد استرسلا في سيل المواضيع المتنوِّعة. كانت أسئلتها كثيرةً فيما اكتست أجوبة عليٍّ ثوب الارتباك. كان يصغي باهتمامٍ بالغٍ لحديثها محاولًا تفسير المشهد المترامي الذي تعيشه.
سكب كأسين من الشَّراب الذي كان قد أحضره معه، شربا بعضًا منه وتابعا الحديث.أشعل عليٌّ لفافة تبغه العاشرة ليغدو المكان لوحةً يغزوها الضَّباب الكثيف. وبحركةٍ خاطئةٍمن قدمه، يضرب عليٌّ كأس الشَّراب ليسيل على ثيابه وثيابها. تسرع الفتاة في إخراج المناديل من حقيبتها، تمسح الشَّراب عن ثيابها وثيابه، وإذ بالشَّراب قد تحوَّل لونه إلى الأحمر! استهجن عليٌّ ذلك واعترت الدَّهشة وجه الفتاة. كيف تغيَّر لون الشَّراب على الثِّياب؟ اهدأ أرجوك، ولا تمعن التفكير في الأمر، كلُّ شيءٍ سيكون على ما يرام.
لم يستوعب عليٌّ المشهد، دخل في حالةٍ من الصَّمت المطبق، أخذ نفسًا عميقًا، ثمَّ طلب من الفتاة مغادرة المكان.
اعتذر لم اقصد هذا الفعل.
اهدأ يا عليّ، لعلُّ في ذلك خيرًا.
وممكن أن يكون خطأً قاتلًا ومؤشرًا على سوء الأيَّام القادمة رد عليِّ بصوت متهدج.