إيغار كنيفاتي ورهانها

عبد الواحد علواني | أديب وناقد

    بين القص والسرد تتسلل اللغة الأنيقة، تقدم مشهدية تأملية الطابع، في فصول تتباين في محاورها، دون أن تخسر الخيط الذي يربط بينها، الكاتبة تبدأ مجموعتها بفصل يؤكد قدرتها على ابتكار الغرائبي والمفارق على المستوى الشعوري، قبل أن تستغرق في العادي على المستوى الإنساني. استجابة للحالة ومتطلباتها.

ليس من السهل أن يؤرخ الكاتب لأحداث عصره بلغة بسيطة، وخاصة عندما تكون الأحداث مزلزلة، بأن يكتب أدباً مفعماً بالمشاعر الإنسانية في حدود ما يجري، دون أن يلجأ إلى المبالغة، أن يهتم بالمشاعر المتنوعة وأن ينصفها في وجود مشاعر أكثر تطلباً، بحسب الألم الذي تتركه المرحلة، إيغار كنيفاتي القاصة التي تحترم قارئها تحقق معادلة صعبة في زمن حرج، تكتب عن الحب والحرب بنفس الدرجة من الهدوء، لتتبدى لنا شخصيتها المتوازنة والمتأملة، تسرد لنا الجواني ببساطة مدهشة، لا تستعين بالغرائبي أو الفجائعي إلا في حدود ضيقة، لتستثير حمية قارئها، وتقدم له لوحات إنسانية هي بحد ذاتها كافية لوصف ما نعيشه، تراهن على الحالة وما يحف بها من مشاعر طبيعية مألوفة، لأنها بحد ذاتها حكاية.

نصوص إيغار كنيفاتي لا تستغرق في الصنعة لئلا تضيع العادي الذي قلما يهتم الكتاب به، العادي الذي يحمل معنى البطولة أكثر من كل البطولات الطارئة، والذي يستغرق حياة الإنسان كلها، ولا يكون مجرد لحظة فارقة، تحيلنا إلى واقع مألوف لا نغفل عن حجم المعاناة فيه، ولكن نتوه عن الطاقة العظيمة التي يكتنفها، وكأنها تقول أن الأمل لا ينضب، ما بقيت رغبة الحياة مستمرة. وأن الأمل لا ينعقد على الطارئ المبهر، إنما على المستمر المديد.

تتخذ ايغار كنيفاتي محامل عدة لفصولها القصصية، فهي تتكئ على شخصية (مسعود) في فصل، وتتكئ على الغرائبي في فصل ثان، وتتكئ على المأساوي في فصل آخر.. تعبر عن الألم والفرح، الحب والحرب، اليأس والأمل، بأوجه متعددة، وبسويات نفسية واجتماعية مختلفة، وتبقى مخلصة لفكرة الرشاقة في نصوص قصيرة متزاحمة، لها نفس الروح وإن اختلفت النكهات. ولرشاقة الفكرة دون أن تهضم حقها في الوصول.

هو كتابها الأول، ولكن ليست النصوص الأولى المنشورة، إذ تملك رصيداً طيباً في حضورها كقاصة، وكأديبة متفوقة حازت التقدير أكثر من مرة، ويأتي هذا الكتاب ليبرهن لنا أنها كانت تستحق التقدير، لكن رهانها الحقيقي ليس هنا، إنما هناك حيث يظن الكثيرون أن الانسداد قدر، وتؤمن هي أن الأمل لا يموت. وأن اليأس مجرد تهاويم وإن طغى، وأن الأمل وقائع وإن خفت نوره وسط الغبار المثار.

إنها إيغار كنيفاتي.. ورهانها الذي لا بد أن يفوز..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى