انتخابات أو قيادة مفروضة من الخارج!!
د. إبراهيم أبراش | فلسطين
الوضع في فلسطين ينزلق نحو مزيد من التدهور، بحيث لم يعد الأمر مقتصراً على مواجهة تحديات الاحتلال والانقسام بل أُضِيف إلى ما سبق تدهور العلاقات مع بعض الدول العربية وجامعة الدول العربية ومحاولة واشنطن وحلفاؤها في المنطقة فرض قيادة جديدة على الشعب الفلسطيني، وقلق من انزلاق القيادة الفلسطينية نحو سياسة المحاور وتحديدا المحور التركي القطري.
الشعب الفلسطيني قد يختلف مع قيادته ويوجه لها الانتقادات على سلوكيات وممارسات يعتقد أنها خاطئة، سواء في زمن أبو عمار أو في زمن أبو مازن، بل يمكن القول إن الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب الأرض انتقاداً لقياداته وعدم رضاه عنها ما دامت لم تنجز تحقيق الحرية والاستقلال وإقامة الدولة، إلا أن قيادة مفروضة من الخارج لن تكون قيادة وطنية بل تابعة لمن صنعها وصيَّرها حاكمة.
ولكن وفي المقابل الشعب الفلسطيني حساس تجاه أية قيادة ذات أجندة خارجية، كما أن الواقع وتجارب الشعب الفلسطيني الطويلة والمريرة مع الأنظمة والحركات العربية والإسلامية أثبتت أن القيادات الفلسطينية منذ الحاج أمين الحسيني إلى الرئيس أبو مازن مروراً بأحمد الشقيري وياسر عرفات وبالرغم من أخطائها هي الأكثر حرصاً على المصلحة الوطنية من أي نظام عربي أو غير عربي.
احترام الشعب الفلسطيني لقيادته الشرعية احترام للكرامة الوطنية ولا يقبل أن يتم اهانتها من أية جهة كانت، وأي قيادة تأتي عن طريق واشنطن والأنظمة العربية المتحالفة معها لن تكون وطنية وستكون مجرد أداة أمريكية وإسرائيلية لتصفية القضية الوطنيةـ وقد رأينا نوع القيادات التي نصَّبتها واشنطن على أفغانستان وعلى العراق بعد الاحتلال مباشرة، وعلى دول أمريكا الجنوبية، ونرى حال جامعة الدول العربية وأنظمتها التي تريد أن تصنع لشعبنا قيادة جديدة.
ولكن، وفي المقابل أيضا هناك مسؤولية تقع على الشعب وعلى القيادة معاً وهي مسؤولية معالجة الخلل في مؤسسة القيادة بما يتطلب من إجراء انتخابات شاملة لأن المؤسسات والقيادات القائمة ينتابها عوار الشرعية ووصلت لطريق مسدود واستمرارها لن يؤدي إلا لمزيد من التدهور، ولأن قيادة جديدة مُنتَخبة ستقطع الطريق على المحاولات الخبيثة لفرض قيادة غير وطنية بزعم أزمة شرعية القيادة الراهنة.
الشعب الفلسطيني بكامله يريد إجراء انتخابات عامة وشاملة لتجديد النخب والمؤسسات ووضع حد للانقسام المدمر، والرئيس أبو مازن استشعر هذا الإحساس الشعبي عندما طالب من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 بإجراء انتخابات شاملة في فلسطين حيث قال: (قررت بعد عودتي من هذا الاجتماع أن أعلن عن موعد لإجراء انتخابات عامة، وأدعو الأمم المتحدة والجهات الدولية ذات العلاقة للإشراف على إجراء هذه الانتخابات، وسوف أحمل أية جهة تسعى لتعطيل إجرائها في موعدها المحدد المسؤولية الكاملة).
فما الذي جرى حتى اختفت المسألة الانتخابية عن سلم اهتمامات القيادة والأحزاب وكان حضورها هامشيا في اجتماع الأمناء العامين للفصائل؟ ولماذا تجدد الحديث عن الانتخابات في الأيام الأخيرة بتردد بعد شبه القطيعة مع جامعة الدول العربية ومحور الإمارات مصر والسعودية، وما يروج عن محاولة هذا المحور صناعة قيادة فلسطينية بديلة للحالية؟ ولماذا الذهاب لتركيا وقطر لطلب المساعدة في إجراء انتخابات عامة، وتركيا وقطر محور من المحاور المتصارعة في وعلى المنطقة وليست مرجعية لا عربية ولا إسلامية؟
بالعودة إلى خطاب الرئيس في الأمم المتحدة، لا نعتقد أن مشاركة فلسطينيي القدس كان السبب الحقيقي لعدم إجراء الانتخابات، كما أن التذرع بغياب التوافق قبل إجراء الانتخابات ليس عذرا، صحيح أننا كنا نطالب ونقول بأن التوافق أهم من الانتخابات ويجب أن يكون سابقاً لها، ولكن بعد أكثر من عشرة أعوام من الحوارات للتوصل إلى مصالحة وتوافق وطني بدون فائدة لم يعد مجالاً للانتظار وسيصبح الحديث عن التوافق قبل الانتخابات مجرد حجة للتهرب من الاستحقاق الانتخابي.
نعتقد أن ضغوطاً من بطانة الرئيس تم ممارستها آنذاك على الرئيس حتى يؤجل مسألة الانتخابات، ضغوط من النخب المستفيدة من بقاء الأمور على حالها ومن الذين يخشون فقدان مواقعهم وسلطتهم في أية انتخابات نزيهة لأن الشعب ضجر منهم وفقد ثقته بهم وهم يُدركون ذلك، والتقت رغبة هؤلاء مع ما تريده النخب السياسية في الفصائل الأخرى وخصوصا حركة حماس بالرغم من كل ما أثارته من ضجيج حول رغبتها بإجراء الانتخابات وتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية التهرب من هذا الاستحقاق.
وحتى نكون أكثر وضوحاً وصراحة فبالإضافة إلى الكيان الصهيوني الذي لا يريد انتخابات فلسطينية نزيهة يختار من خلالها الشعب قيادته وتنهي حالة الانقسام فإن قيادات نافذة في حركتي فتح وحماس اللتين تمسكان بزمام أمور السلطتين في غزة والضفة لا تريد الانتخابات وفي هذه الحالة يتقاطع موقفهم مع الموقف الإسرائيلي.
حركة حماس تعلم بأنها لن تحصل على الأغلبية التي حصلت عليها في انتخابات يناير 2006 والتي أهلتها لتشكيل حكومة، وأن تفقد حماس الأغلبية البرلمانية وتتحول إلى حزب معارضة فهذا معناه فقدان سلطتها في قطاع غزة والأخطر من ذلك بالنسبة لها قطع الطريق على مشروع الإخوان المسلمين الذي تشكل غزة إقليم –قاعدة له، كما أن سيطرة حماس على القطاع لم يعد شأناً حمساوياً أو فلسطينياً خالصا بل أصبح مندرجاً في سياق مشروع أكبر من حماس.
أما بالنسبة لمنظمة التحرير وحركة فتح على وجه الخصوص، فلا نبرئ البعض من المسؤولين الذين يتنطعون للقيادة والرئاسة بدون انتخابات لأنهم يعلمون أن لا شعبية لهم ولا حظوظ لهم بالفوز بالانتخابات وخصوصا الرئاسية، لذا يسعون لاستمرار الأمور على حالها إلى حين غياب الرئيس أبو مازن ليحلوا محله بدون انتخابات من خلال قرار للمجلس المركزي أو الوطني أو المحكمة الدستورية لتعيين رئيس أو قيادة مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات والتي قد لا تجري لسنوات، وقد يكون قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي خطوة استباقية في هذا السياق.
التحول الجديد في المسألة الانتخابية وما ظهر من خلال زيارة وفد قيادي لتركيا يومه الخميس 24 سبتمبر ومطالبتها بالإشراف على الانتخابات ورعاية حوارات المصالحة لا يرجع لوعي متأخر بأهمية الممارسة الديمقراطية أو رغبة بتجديد الشرعيات كما يطالب الشعب بل له علاقة بالخوف من تشكيل قيادة بديلة وهو المسكوت عنه أو (الخافي أعظم) في مسألة التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني و موقف جامعة الدول العربية الداعم له وفي توتر العلاقة بين القيادة الفلسطينية وجامعة الدول العربية، حتى الهروب نحو تشكيل (القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية) ليس الهدف منه تفعيل المقاومة جدياً وتصعيدها لانتفاضة شاملة، بل له علاقة أيضاً بحسابات مواجهة مؤامرة تشكيل قيادة بديلة، في مراهنة أن تشكيل حركتي حماس وفتح هذه الهيئة القيادية سيلمع من صورة الوجوه القيادية في الجانبين بما يستعيد بعض مصداقيتها.
وحتى لا تنزلق الأمور إلى ما هو أخطر بما في ذلك أن تصبح القيادة والسلطة جزءاً من المحاور المتصارعة مما يؤدي لفقدان استقلالية القرار الوطني يجب على الشعب الخروج إلى الشارع للضغط على الطبقة السياسية الحاكمة حتى يتم إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية برعاية دولية كاملة وليس طبخ انتخابات تُعيد تكريس نفس الطبقة السياسية الراهنة. ونعتقد جازمين أن إجراء انتخابات أكثر أهمية من تشكيل (القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية) بتركيبتها الراهنة والتي يُراد من تشكيلها تحسين صورة الأحزاب ومد سلم النجاة لها للتغطية على مأزقها والنزول عن السلم، وتحويلها ملهاة جديدة تستعملها الفصائل لإلهاء الشعب و إيهامه بأنها تسير على نهج الثورة والمقاومة والانتفاضة و تكريس سلطتها في حالة عدم إجراء الانتخابات!!.