رحيل طه الطه أيقونة التوثيق والتأريخ الفراتيّة
أحمد خميس | اليونان، أثينا
قبل أن يعرف العالم محركات البحث بشكلها الحالي كان للرقة غوغلها ( طه الطه) والذي ترجّل صباح ٢٧.٩ ٢٠٢٠ معلناً بموته انهيار المتحف البشري والبوصلة الثقافية والأدبية، وأيقونة التوثيق والتأريخ الفراتيّة.
الوعي الذي امتلكه ذاك الرجل واستشراقه للواقع السياسي العام دفعه بالإضافة إلى الشغف الذي فُطِر عليه للاعتماد على أدواته البسيطة في توثيق كل ما يتعلق بسير الحركة الثقافية في محافظته وكأنه كان على دراية بنقمة النظام الحاكم على الرقة وتهميشها عمداً لذلك أشهر الراحل سيفه باكراً واعتلى صهوة جواده قبيل الجميع.
كانت الرقة هاجسه، ووجعه الدائم فكتب تاريخها، وتاريخ رجالاتها، وأقام معارضه الدورية التي انطلقت عام ثمانية وثمانين واستمرت إلى ما قبل لجوئه.
طه الطه كان الجسر الذي يربط تاريخ الرقة بحاضرها فكان صديق المنقّبين ومرشدهم، ورفيق الأدباء والكتّاب ومرجعهم، لم يبخل على أحد بمقالة أو بمعلومة تاريخية تعوزهم ببحث أو برواية أو دراسة ما.
المتتبع لسيرة هذا الرجل يدرك تماماً بأنه لم يتخصّص مجالاً ما بقدر ما كان شاملاً تماماً كمحرك بحث، كمكتبة ضخمة تقصدها باحثاً عم تشتهي فتجد ضالتك فيها دون عناء.
ولكي ننصف هذا الرجل يجب علينا أن نقول بأننا لم ولن ننصفه يوماً وهو الذي أفنى ما أفنى من حياته لتسليط الضوء علينا وعلى مدينتنا التي إن غابت عن الجميع فإنها لم تغب عنه البتة، كان مُلخصاً بذاته غير منتظرٍ شكراً من أحدٍ ولا راجياً إطراءً وثناءً عابرا.
ما يدفعنا للكتابة عن طه هو إحساسنا بالذنب تجاه اللبنة الأضخم في سور المدينة، تجاه النورس الفراتي الذي وإن غيّبه الموت جسداً ستبقى روحه مرفرفة على النهر والجسرين على المدينة والمدينة السمراء، على تلال بيتعتها وصفّينها وجامعها العتيج.