حديث الغريب.. أصداء الرحلة (2)

سوسن صالحة أحمد | سوريا – كندا

أفكر من أين أبدأ، ما بين حاضر مسؤول وماضٍ محقوق، ومستقبل ربما يمحو كلاهما وربما يتكأ عليهما.

كأني نحو الصفر الماضي بي أملأ لحظتي بافتراض مستقبل كماضيه كان مجهولاً، وما بين المعلوم والمجهول إلا إغماضة طرف ليأتي الهُنا حيث أنت، ليس مهما أين تكون فهو سيأتي إليك ما دمتَ فيزيولوجياً تتنفس، الهُنا حالٌ ينقلك إلى حيث أنت رامياً هناكَ أنت في مشيئته، لا اختيار ولا إجبار، أنت داخل في تراتبيات الزمن حتى لو لم يكن لك منه إلا هذا المسمى عمراً بتهمة حياة، تلك مشيئة لا قرار لك معها، فكيف وإن ترافقت بالحرب!،

حرب.. لا أرضية ثابتة، إذا لا قرار لك، ولا قرار تأخذه يعيد لك أناك المتبلة بكل ما مضى منك، هذا ما أشعره منذ بدأت الحرب في بلدي، لا أذكر أني كنت قادرة على اتخاذ أي قرار، سوى أمنية من حقي تمنيها، أن لا أُضطَرَّ للخروج من سوريا، وكنتُ أضع احتمالاً وحيدا لخروجي لم يكن خوف الموت أبداً، بل أولادي، يقالُ إن النساء عادة لا يهتمنَّ بالسياسة إلا إذا دخلت بيوتهن، السياسة يا صديقي داخلة في سررنا لو تعلم، ونحن خاضعين لسُنّنِها شئنا أم أبينا، وعينا ذلك أم غاب عنا في لُهَجِ العيش، هي التي تحدد عدد الأرغفة التي تستطيع إدخالها إلى بيتك سواء أشبَعت أو لا، على أن الجوع حينها لم يكن سببا في الموت أو الأذى، كنا نعيش بأمل الغد الأجمل، ونحاول ما استطعنا أن نُحسِنَ لمستقبل أولادنا، أما مع الحرب حتى هذا الأمل ضاع، ولا صورة لمستقبل على الأقل مستور وآمن كما ماضيه تتبدى من خلال تتالي الأحداث.

يوماً كنتُ في عملي أتبادل شجون الحال مع زملائي، قلتُ لهم: الحالة الوحيدة التي ستجبرني على الخروج فيما لو عَمَّت الرذيلة وبلغ الأذى أولادي بشكل ما ولم يكن هناك من يحاسب.

أخبرتك اني لن أكتب تاريخاً، سأكتفي برحلة روح تأثرت بتداعيات هذا التاريخ بكل ما تحتويه من معنى إنسان، إنسان لا يريد إلا بقعة أرض آمنة، وقلوب تحبه ويحبها، يتشارك معها الوقت لتمضية العمر، والبناء في تلك الأرض لما يتسع معنى حياة، أليس هذا المعنى الحقيقي للوطن؟! حضن وقوت قلب يجعلانك تحتمل المر كما تحمل الحلو.

على أني سأذكر حادثات كانت لحظاتا مفصلية في الحوادث بالنسبة لي، هي ما فرض علي الرحيل، ودوما البداية مع البداية.

صديقي العابر للعمر

سوسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى