اليزابيث الثانية.. سبعون عاما تملك ولا تحكم، فالكلمة العليا للشعب
حسام عبد الكريم | كاتب من الأردن
ماتت الملكة اليزابيث الثانية بعد أن جلست 70 عاما على عرش بريطانيا, التزمت خلالها أيما التزام بضوابط ومعايير العقد المبرم بين الشعب والملك بعد انتصار “الثورة المجيدة” عام 1688, والذي يتلخص في أن الملك “يملك ولا يحكم”، باعتبار أن الكلمة العليا في البلد هي للشعب الذي ينتخب من يمثلونه ويديرون شؤونه.
سبعون عاماً أمضتها اليزابيث في منصبها كملكةٍ متوجة، كانت خلالها كل حركاتها وسكناتها، زياراتها الداخلية والخارجية، نشاطاتها وظهورها، كلامها وخطاباتها,,,,كلها محكومة بما يصلها من تعليمات وتوجيهات وأوامر من مكتب رئيس الحكومة, على شكل “التماس” أو “رجاء”!
تاجها على رأسها, جالسة على عرشها, مبجّلة ومعظّمة, محاطة بكل مظاهر التوقير, صورتها على العملة, ينشد لها الأطفال في المدارس والجنود في المعسكرات: حفظ الله الملكة “God Save the Queen” ولكنها مع ذلك لا تملك أي سلطة فعلية ولاتؤثر أو تتدخل في أمور الحكم والإدارة.
نجحت اليزابيث في إنقاذ المؤسسة الملكية وتدعيمها في بريطانيا عن طريق التزامها وانضباطها. ولكن ذلك الانضباط الطويل والمتواصل لايمكن أن يصدر عن إنسانٍ ذي قدرات وكفاءة. وبالفعل فإن من كان يتابع الملكة وهي تخطب أو تتحدث يخرج بانطباع بأنها شخص بسيط ,محدود الذكاء وبلا مواهب.
كم كانت مدهشة تلك السيدة! سبعون عاماً وهي ملكة, لم ترتكب خلالها هفوة ولا زلّة, لم تُضبط في علاقة عاطفية, ولا نزوة عابرة. لم تنفلت من ضوابط البروتوكول الملكي يوماً, ولم تُخلّ بمقتضيات العرش أبداً، ولم تضطر أي حكومة خلال عهدها الطويل إلى “الترقيع” من ورائها .
مسكينةٌ كانت اليزابيث. فرغم القصر والتحف وعربات الخيول إلاّ أنها عاشت محرومة من أبسط حقوقها كإنسان! محرومة من حقها في التلقائية والعفوية ,,, محرومة من حقها في قليل من الحماقة, قليلٍ من الفوضى! محرومة من جقها في العيش كإنسان, قبل أن تكون ملكة.