شجرة الكلام لا تعرف فارس كرم
شوقية عروق منصور | فلسطين
المرأة والنظام الحاكم – السياسي والأبوي – ثنائي له الماركة المسجلة عبر التاريخ ، فحين تهب رياح النظام لا بد أن تتغلغل في ثوب المرأة وترفع من طبقاته فأما يحول تلك الطبقات الى رافعة قوانين تدعم المرأة وترفع من شأنها، وإما تسقطها على الأرض وتبدأ بتقطيع جسدها بالقوانين والممنوعات والحظر، والنظام السياسي والأبوي في الكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث ما زال يملك في أجندته السرية الصور العديدة لقهر المرأة وتعذيبها وعزلها والتواطؤ ضدها.
“شجرة الكلام” هي بالفعل شجرة تتجمع تحتها النساء لاتخاذ القرارات الهامة، وهذه الشجرة موجودة في قرية تُسمى (أوموجا) ومعناها في اللغة الساحلية” الوحدة” وتقع في دولة كينيا، وهي بعيدة عن العاصمة الكينية نيروبي حوالي325 كيلو متراً.
الشيء الهام أن هذه القرية فقط للنساء، يعشن بها مع أولادهن دون الحاجة إلى رجال بعد أن شعرن أن الرجال لم يقوموا بحمايتهن والدفاع عنهن، بل بالعكس كانوا يمارسون معهن القسوة والضرب، لذلك لماذا يجب أن يكون في حياتهن رجال؟
والبداية كانت من امرأة تدعى (ناجوسي لوكيمو) عندما كانت ترعى الغنم قام 3 جنود بريطانيين من عناصر الأمم المتحدة بالاعتداء عليها، وعندما حكت لزوجها عن اعتداء هذه العناصر وبدلاً من الخروج واللحاق بهم وضربهم، قام بضرب زوجته وأخذ يصرخ بوجهها(لقد جلبت العار لأسرتي) عندها تركته وهربت وبقيت مدة 90 يوماً ضائعة تائهة في الصحراء، وخلال هروبها التقت بنساء يعانين من أزواجهن ولهن تجارب في القهر والضرب والتعذيب والتزوج عليهن عدة مرات، وأيضاً يعانين من آباءهن الذين قاموا ببيعهن لرجال أكبر منهن بالعمر، أو بيعهن لقبائل مقابل عدة أبقار والآن لا يملكن الا البكاء وأخذ أولادهن في الأحضان ، لكن (ناجوسي) لم تستسلم لقدرها الأنثوي فقد قامت باستئجار قطعة أرض وأقامت عليها القرية التي تضم 15 امرأة مع أولادهن، حيث يزرعن الأرض ويخطن الثياب ويعشن بصورة محترمة دون عنف وقهر من طرف الذكور.
“شجرة الكلام” تجمع النسوة حين تكون هناك مشاورات حيث يتخذن القرارات بالأجماع وبصورة ديمقراطية ، وقد اهتمت الصحف العالمية التي نشرت أخبار هذه القرية بقوة وحزم وقدرة النسوة على الوقوف بوجه المجتمع الأبوي الظالم، حتى أصبحت مثار اهتمام السياح الذين قدموا لدعمهن وشراء المنتوجات التي يصنعنها مثل الحلي وقطع التطريز والقش.
أقرأ عن المرأة المتمردة التي تريد تغيير حياتها في كينيا، وهنا عندنا فارس كرم المطرب اللبناني صاحب الصوت الرجولي يجر المرأة إلى “سدر الحلو” في أغنيته (عالطيب).. يتسلل مخترقاً الجدران بأغنيته الجديدة.. أنتبه.. كلمات فيها من الصفاقة والإهانة للمرأة، لقد وضع المرأة داخل قطعة الحلوى وأخذ يتغزل بها بطريقة مهينة ومبتذلة، لا نريد أن نتحدث عن النساء اللواتي رافقن الأغنية وهن يتمايلن على ايقاع اهانتهن، خاصة عندما يضع المرأة مقابل الأبقار التي تُحلب.. كأنه يقول للمرأة أنت لا تختلفين عن البقرة..!! لكن ما دامت الرقابة على الأغاني مفقودة.. وما دامت القيم السلوكية والأخلاقية تعاني من الغياب.. لا بد لمثل هذه الكلمات أن تصفع المرأة وتضعها في كل القوالب التي تنتجها شركات تعمل على تدمير المجتمع.
في كينيا المرأة تتمرد على وضعها وتترك الرجل الذي يهينها ويسحق شخصيتها، ونحن نرقص على أنغام من يحشرها في قالب الحلوى.. إنها ليست المرأة المثقفة، المتعلمة، صاحبة الرأي، الجامعية، الأم، الأخت، الزوجة، الابنة، الحبيبة … إنها الحلوى .. يغني فارس:
( خدودك مثل القطايف.. عبالي أذوق وخايف
قدامي في أمورة .. خدا مثل النمورة – نوع من الحلوى – بدي شقفة صغيورة.
قدامي في بنوته جسمها مثل البسكوته.. عبالي شي فتفوته..)
الفضائيات تبث الأغنية، ولا أحد يستطيع إيقاف مد الفوضى الكلامية، خاصة التي تمس بمكانة المرأة وحياتها التي انحصرت بالعري والإغراء والجسد، وها هي الصورة الجديدة تفرض أن تكون طبق الحلو الشهي.
الجميع يتراقص على ذبذبات حنجرة المطرب الرجولي، الذي فتح الأفق الغنائي بأغنيته الجديدة، ونحن نتساءل كيف يمكن أن تنشأ الأجيال القادمة والمرأة بالنسبة لهم هي طبق يجب أن يذوقه.. فهي القطايف والنموره والبسكوته وهي الفتفوته!