بلسان عربي مبين
د. أيمن العوامري | مصر – باحث في اللغة والأدب
تحقق للغة العربية ما لم يتحقق لسواها من اللغات؛ بنزول القرآن الكريم بهذا اللسان العربي المبين، وإن الإبانة درجة أعلى من الفصاحة والبلاغة، بل إن الإبانة هي سر الإعجاز القرآني؛ فالفصاحة والبلاغة تصلحان لوصف الكلام البشري في حدوده الإنسانية، أما أن يوجد نص ثابت لا يتغير ولا يتبدل ولا يتحول، وفي الوقت نفسه يعبر عن قضايا الإنسان في كل العصور بما فيها من نوازل ومستجدات وأنماط معيشة وثقافات لم تعرفها العصور السابقة، وبألفاظ قابلة للتأويل في كل أوان، عطاؤها لا ينفد، وفؤائدها جمة وتتجدد، فإن هذا هو الإعجاز، ورحم الله الرافعي؛ إذ وصف القرآن بأنه كتاب الله إلى الإنسانية؛ فما أصدق هذا الوصف وأحلاه وأجمله؛ فهو كتاب الله للإنسان بغير تخصيص بزمان أو مكان، كيف لا والمتكلم الحكيم العظيم -جل شأنه- لا يحيط به زمان ولا مكان، بل إن الأزمنة بيده تجري بمشيئته؛ فالمولى -عز وجل- يخاطب عبده الإنسان بغير قيد الزمان والمكان؛ ومن ثم فهو الكلام الخالد؛ ومن هنا يأتي الإعجاز الذي قهر الإنس والجن…
لم تحظَ لغة بنص كالقرآن؛ تتوافر فيه صفة الخلود والإعجاز وكونه أعلى درجات تلك اللغة من حيث السلامة (المعجمية، والبنيوية، والتركيبية، والدلالية)، نص تتوافر فيه ظواهر تلك اللغة؛ ومن ثم فإن أي اشتغال بالقرآن هو في الحقيقة اشتغال بالعربية وخدمة لها؛ حتى إن الجرجاني في دلائله كان انطلاقه من الخاص (القرآن) إلى العام (اللغة العربية)؛ إذ كشف عن مكامن الإعجاز في التعبير القرآني، وهو في الوقت نفسه يكشف عن إمكانات تلك اللغة العظيمة الخالدة بخلود كتاب الله العزيز…