” من فمكم أدينكم “؛ لكن من يوقف قطار السرقات؟!

شوقية عروق منصور | الناصرة – فلسطين ‏

من قال إننا لا نقدر المشاعر والأحاسيس تجاهنا؟ من قال إنه لا يوجد في داخلنا أنهاراً من عسل الشكر لكل من يقدم لنا شيئاً؟ من قال إننا لا نشعر بالفرح حين تسقط سهواً حادثة تزيل الغبار عن صورة كانت تحت الإقامة الجبرية في الذاكرة؟

عندما تتدلى عناقيد الذكريات لا يكون بوسعنا سوى عصر العناقيد ووضع عصيره في كؤوس من الحسرات والآهات على ماض ذهب ويحضر الآن على صفحات مقال عابر، انتظر السنوات الطويلة للعودة إلى متسع الحكاية الفلسطينية.

نشرت ” صحيفة هآرتس ” الإسرائيلية في ملحقها يوم الجمعة الماضي 2 / 10 / 2020 استعراضاً مخيفا، وحشياً عن السرقات التي قام بها أفراد من الجيش الإسرائيلي ومئات من المواطنين اليهود عام 1948، للبيوت والمصانع والمزارع في المدن العربية.

من يقرأ هذا التقرير تشتعل نار القهر في روحه، ويكفر بكل الكتب التاريخية التقليدية والمفاوضات الدولية التي تحاول فك حبال المشانق وتحويلها إلى جدائل سماح وسلام.

التقرير الذي نشرته ” صحيفة هآرتس ” يفتح صندوق النهب الصهيوني للمدن العربية طبريا، حيفا، عكا، صفد ، القدس، بئر السبع وغيرها عام 1948 وسرقات البيوت من أثاث وأدوات منزلية وسجاجيد وتحف ومكتبات وسيارات وماكينات ومتاجر وأقمشة والمصانع من ماكنات وقطع غيار والمزارع من مؤن وآلاف من رؤوس الأبقار والغنم والدجاج والحمام.

هذا التقرير يؤكد المقولة  – من فمكم أدينكم – و قد يدفعنا هذا القول إلى فك البوصلة ورميها لنردد من يسرق الأرض قد يسرق كل شيء، الذي فوقها وتحتها.

الكاتب اليهودي ” آدم راز ” الذي نشر التقرير اعتمد في تقريره على الأرشيفات المخبئة، وقد ذكر أن السرقات تمت تحت أعين القادة والمسؤولين حتى أن بن غوريون قال خلال اجتماع لقادة حزب مباي): “غالبية الشعب الإسرائيلي لصوص”

هذا التقرير ليس المهرجان الأول فوق منصة الاعتراف الصهيوني، فقد قرأنا كثيراً من خلال نواح الباحثين والأدباء والشعراء الفلسطينيين عن ظاهرة السرقة والاستيلاء على الأملاك الفلسطينية، وسمعنا من خلال دموع الفلسطينيين الذين هربوا إلى لبنان والأردن وسوريا او الذين نزحوا إلى القرى المجاورة، حيث كانت أرواحهم تحمل فواتير الحسرات على أملاكهم التي تركوها عرضة للنهب والاغتصاب، يحملون في أحلامهم شيكات الآمال لعلها تصرف في طريق العودة، المضحك ما زال قطار السرقات يسير فوق سكة الاحتلال

قبل سنوات جاءت ممثلة يهودية تدعى ” ليؤور ” إلى بلدية الطيبة في المثلث وقدمت لرئيس البلدية سجادة وقمباز وبعض الأدوات المنزلية، وتعترف أن والدها الضابط العسكري الذي كان يعمل في منطقة حيفا وضواحيها وصفورية قد استولى عليهم – سرقهم – عام 1948، وتريد إرجاع هذه الحاجيات لإصحابها .

هذه المرأة اليهودية التي بلغت السبعين من العمر أخذت تفتش عن جهة لترجع هذه الأشياء المسروقة، فوجدت في متحف بلدية الطيبة المثلث العنوان لحفظ السجادة الفلسطينية والقمباز وبعض الأدوات المنزلية.

تصرف هذه المرأة قد يحمل جمالية أخلاقيات الإنسان، لكن حين نقلب صفحة الوجع نكتشف مناجم من الألم والدموع والحسرات والآهات واللجوء والغربة والذل، نكتشف أن رحلة إعادة السجادة عبارة عن بطاقة بريدية نرسلها للذاكرة الفلسطينية التي ما زالت تنزف صوراً وأحداثاُ وحقاً ضائعاً، وتسأل بحسرة من يعيد البيوت التي استولى عليها اليهود إلى أصحابها، من يرجع الخطوات إلى شوارعها وأزقتها من يعيد البيادر وبيارات البرتقال، من يعيد السهول والوديان والجبال، من يعيد المراعي والأشجار والهواء وخوابي الزيت وجرار الماء المركونة على حوافي بئر الزمان

الذين عاشوا نكبة عام 1948 رأوا بأم أعينهم عمليات السلب والسرقات ونهب البيوت والمزارع والحظائر، يعرفون أن البيوت الفلسطينية التي كانت عامرة في مدن يافا وعكا وحيفا تحولت إلى مراتع لشهوات العسكريين والناس الذين قدموا بكامل أناقة مخالبهم وأصابعهم العسكرية اللصوصية.

قامت المرأة ” ليؤور ” التي خضع ضميرها لغسيل وتأنيب بإرجاع السجادة والقمباز وبعض الأدوات المنزلية واعترفت انها لا تعرف من أين سرقهم والدها، لكن تعرف أنه يجب ارجاعهم لأصحابها . ولكن في المقابل هناك الوجه الآخر لقادة ” ليؤور” السياسيين والعسكريين الذين ما زالوا يستسلمون لشهوات السرقات وعنجهية التمادي في السلب، كأن هناك تفويضاً تاريخياً لهم . تحية لضميرالباحث ” آدم راز ” والسيدة ” ليؤور ” لكن حين نصافح أوراق تاريخنا نصرخ.

من يعيد الينا حياتنا المبعثرة في المنافي؟! من يعيد الأجيال التي أشعلت أصابعها آمالاً ومع السنوات أنطفأ الأصبع وراء الآخر .. ولم يبق إلا الأصبع الأوسط نوجهه إلى العالم المنافق الذي أدار ظهره لنا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى