د. يوسف زيدان: ليست جاهلية ومملكة سليمان واحدة من 50 مملكة فلسطينية

جاهلية

يشار دوما إلى فترة ما قبل اﻹسلام من حياة العرب، بوصف “جاهلية” فهل كان العرب قبل اﻹسلام يعيشون حقا الحالة الجاهلية؟ سواء كانت تعني الكلمة (الجهل) أو تعنى كما يقال (العنف) أو البعد عن التحضر؟

ﻻبد أوﻻ من الإشارة إلى أن العرب، لم يكونوا فقط أهل قريش من الكفار. فالحضور العربى قبل اﻹسلام، كان كثيفا فى شمال الجزيرة العربية (منطقة الهلال الخصيب) وكان عريقا فى أقصى الجنوب الغربى (اليمن). . و فى هاتين المنطقتين، شمال الجزيرة و جنوبها، كانت حضارة العرب قبل الإسلام.

ويقال إن لغة عرب الشمال، كانت مختلقة تماما عن لغة عرب الجنوب، لكنني لن أطيل الوقوف عند هذه الحقيقة، لقد ذكرها كثير من المستشرقين، وتحدث عنها طه حسين، فعارضوه وعاركوه ومزقوا ملابسه! وأنا هنا فى غنى عن الاعتراض والاعتراك و تمزيق الملابس.

المهم إن عرب الجنوب، كانت لهم حضارة، أشار إليها القرآن الكريم فى اﻵيات التى تحدثت عن ملكة سبأ التى أتى بها سليمان، النبى عند المسلمين / الملك عند اليهود، وتزوجها بعد وقائع لا مجال لذكرها هنا كلها، وكلها مؤكدة لسلطان النبي سليمان الذى سخر له الله الإنس والجن وقوى الطبيعة (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) و بذلك استطاع النبي سليمان – عليه السلام – أن يأتي بملكة سبأ بلقيس و بعرشها داته.

وجاء ذكر مملكة سبأ العربية، عرضا، لبيان اتساع سلطان سليمان فى زمانه، مع إن التاريخ يقول: إن مملكة سليمان، كانت واحدة من خمسين مملكة فلسطينية، و كانت مساحتها في حدود عشرة كيلو مترات مربعة.

أما عن عرب الشمال، يؤكد التاريخ أنهم كانوا جماعات كبيرة، على درجة عالية من التحضر قبل بضعة قرون من ظهور اﻹسلام .منها أن ملكة تدمر العربية (زنوبيا/ الزباء) كانت مملكتها فى قلب الشام واتسعت من حدود دولة الفرس إلى غرب اﻹسكندرية .

و قد انزعج الرومان منها، فحاروبها واستطاع “أورليان” ان يهزمها بحيلة عسكرية، و يقبض عليها سنة 272 ميﻻدية ، ويقتادها إلى روما أسيرة . وقام الرومان بتخريب تدمر بالكامل، ومع ذلك ،فإن معبد “بعل” الهائل، استعصى على التدمير، وﻻ تزال أعمدته وبواباته الحجرية العالية وردهاته قائمة حتى اليوم.

على الرغم من مرور هذه القرون الطوال؛ الحافلة بالاضطرابات والحروب التى دارت يين البشر مازالت بقايا المعبد تذكرنا بالمجد الذى كانت عليه المملكة العربية الشمالية.

وفى شمال الجزيرة العربية قبل الإسلام، كانت أيضا المملكة العربية الكبيرة التي عاصمتها البتراء  وقد استطاع أهلها، قبل الإسلام بعدة قرون، أن يتخذوا من الجبال بيوتا، و ينحتونها هذا النحت الرائع، الذي لا يزال يبهر الزائرين لهذه المنطقة الواقعة اليوم فى قلب الصحراء القاحلة، الممتدة جنوبى العاصمة الأردنية عمان.

وبعدما كانت هذه المنطقة فى القرون الغابرة، عامرة آهلة بالسكان، لوقوعها على طريق البخور، وهو الطريق الذي كان مسارا للقوافل التجارية من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها. و قد أشير إليه في الآيات القرآنية الكريمة، برحلة الشتاء والصيف.

لقد ظهر الإسلام في منطقة الوسط من الجزيرة العربية، التى لا يجوز أن توصف أحوالها في هذا الزمان بالجاهلية، لأنها كانت أقل المناطق العربية تحضرا بحكم الجدب المحيط بها.

أما عرب الشمال وعرب اليمن، فلا يصح أن نصفهم فيما قبل الإسلام، بأنهم: جاهليون.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إلى الدكتور يوسف زيدان الباحث العريق تساؤل حول النبي- الملك سليمان: هل هناك تطابق أو فرق بل تناقض بين الملك سليمان في التوراة والنبي سليمان في القرآن الكريم؟

    قرأت في العهد القديم، سِفر الملوك الأول، الإصحاح 11:
    “… وأحب الملك سليمان نساء غريبات كثيرات… من الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: أنتم لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة… وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبه.وكان في زمان شيخوخته أن نساءه أمَلْن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب، فذهب سليمان وراء عشتورت إلاهة الصيدونيين وملكوم رجْس العمونيين… فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب… “.
    مع الشكر الجزيل والتقدير والمحبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى