قراءة بحثية: تعدد الأصوات واشتغالات الاآلة السردية

حيدر الشماع | العراق – باحث في علوم اللغة والمنطق والانثربولوجي وعلم النفس والفلسفة

    كثيرا ممن اتخذوا من اللغة ميدانا خصبا للتجريب في محاولة بين العادي واليومي مع استباق الرغبة في احتواء الممكن واللامتوقع وهذا مانلمسه في التحول من المجاز البلاغي الى المجاز البنائي عبر أسلوبية السرد واستضافة النثري والشعري،وهنا تحولت اللغة عبر الحركة والصورة وأسلوبية التخيل الى مصنع كيمياء حيث يتفاعل الواقعي والرمزي والحسي والوجداني وقد استعان الشعراء الى توظيف الرموز وابتكار رموز خاصة بتحويل الواقع الى رمز أو استغلال التعالق النصي في ابتكار بنيات نصية مغايرة ربما يرجع ذلك الى الرغبة في تفعيل الرموز النصية التي يبتكرها الشعراء أنفسهم من خلال التشكيل الجمالي والعودة الى طفولة التكوين، (الشاعر طفل خالق واللغة مدار الخلق) إن عملية الخلق الشعري لم تكن غائبة ولكن قصيدة النثر أضحت أعمق حضورا وتوهجا وأكثر تحررا وانعتاقا.

     في دراساتنا كنت أسجل ذهنيا على الهوامش ملاحظات وخطوط مقاربة كلما تقدمت تكشف لي ملاحظات تلغي سابقاتها حتى أكون تماثلا يمكنني تحويله الى رؤية بأدوات منهجية واستنتاجات تدعمها البراهين تعلي عباراتها الواصفة جمالية التلقي كعملية تجوال في النص حيث تنتقل وجهة النظر الجوالة باستمرار المنظورات النصية،ان الحصيلة التي نستنبطها تعتمد اعتمادا تأويليا على الانتباه الى العلامات النصية التي هي اشارات دلالية تتحكم أو نعتقد أنها محسوسات من توجيهات داخلية لنص التخيل ،وتتفاعل النصوص مع مشاربها انطلاقا من ثقافة وسياقات الشاعر الذي يقنص الغواية والمحو والنفي والرفض في قلقه الدائم .

     (مادام الانسان موجودا فالكلام يتناسل)

     (إن الذات المتلفظة كائن من ورق)

تشتغل الآلة السردية في ابتكارات عدة،ولعل تعدد الأصوات في النص والصور تعبر عن وجهات نظر ضمنية تكسب حياتها من مفهوم المتلقي لها إن التوليد والتكرار وتناسل الجمل هو ديدن الشاعر في خطاب يشي بواقعية يوازي خطابا ساخرا تهكميا يتوجس من حقيقة معينة ولايجامل القارئ ،يكون شديد الاعتداد بالتجريب وشغوف به.

(فاض الإناء

وطفح الكيل    ورؤوسنا محجر للكلمات 

تسجنها قضبان الخوف    على وهج البكاء

ونوافذ مهشمة   اذا لثمت تجرحت الرؤى

وهوت فوق النفايات

عرضت عقلي في سوق الرياء

في مزادات البيع والشراء

كل شي يباع)

     إن فضاء القصيدة حلم،تتداخل وتتفاعل وتنصهر بعضها مع البعض للتشويق واشعال شغف استمرار تفاعل المتلقي.

( ياسائق الليل وسدوله

أوغل بنا في رحلة السراب

واكشف رأسك للرذاذ

وارخ عينيك

فالينابيع جفت بعيني

تأكلني دوائر الأرق

أشتاق لعناق

وقطرة حب

فوق المروج

لترتوي الشفاه اليابسات).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى