الغش للرُكب!

صبرى الموجي | رئيس التحرير التنفيذي لجريدة ( عالم الثقافة)

 فى سوق المدينة، جلس رجلٌ فقير وأمامه كومةٌ من حنطة يبيعها، فوقف أمامه الرسولُ بعدما أعجبه منظرُ الحنطة، وهمّ بشراء ما يحتاجه، فلما وضع يده فى كومة الحنطة أصابها بللٌ، فسأل الرجل مُتعجبا ما هذا يا صاحب الطعام، فأجاب الرجل أصابته السماء يا رسول الله، فقال له النبىُ مُعلما: ألا جعلته ظاهرا؟ من غش فليس منا.

واقعةُ غش يعتبرها الكثيرون فى زماننا بسيطة، بعدما أضحى الغشُ للركب، وصار ظاهرة عامة، وتعددت صوره وأشكاله، التى ساعدت على هدم قيم ومثل، وتفشى سلوكيات مُعوجة تتعارض مع مبادئ الدين، كالكذب الذى حل محل الصدق، والخيانة التى حلت محل الأمانة، والهوى الذى حل محل الرشد.

وصور الغش كثيرة، منها الغش فى البيع والشراء، والذى سال له لعاب التجار الباحثين عن المكسب السريع، دون أن يُعيروا شعبنا الفقير اهتماما، فحققوا ثروات طائلة، وأغرقوا الأسواق بسلع فاسدة أمرضت الشعب، وليست حادثة القبض على صاحب مزرعة توريد لحوم الحمير لأكبر المطاعم فى مصر ببعيد.

تلك الحادثة التى أصابت مُرتادى تلك المطاعم بالفزع، وجعلت ذويهم يضعونهم تحت الملاحظة حتى إذا بدرت عليهم تصرفات ( حمورية) كالرفس أو النهيق يدفعون بهم لأقرب مستشفى!

ومن صور الغش أيضا، الغش فى الامتحان، وقد وصلتنى رسالة تصرخ صاحبتها من استفحال ظاهرة الغش فى امتحانات الثانوية بمدرسة كفر البطيخ الثانوية بدمياط؛ مما يهدد مستقبل أختها التى تعبت فى المذاكرة طيلة العام، ويأتى التسيب واستهتار المراقبين فى لجان الامتحان ليساوى بين من تعب ومن لعب.

ولم يقف الغش عند مرحلة معينة، بل تسلل وبأبشع صوره للجامعات حتى بين طلاب الدراسات العليا والماجستير، الذين تفلسف أحدهم – دون خجل من لحيته التى علت وجهه – فى تبريره لغشه من زميله قائلا : أنا لا أعتبر تعاونى مع زميلى غشا بل هو تفتيح مغاليق!

وموقف ذلك المتفلسف أشبه بموقف المتحايل على الشرع، بعدما علم أنه حرّم الشيء الفلانى، فبادر بتسميته بغير اسمه، فسمى الخمر ( بيرة) ، والرشوة إكرامية، والنصب والتهليب ( تفتيح مُخ وشطارة) وخلافه.

وتكمن خطورة الغش فى أنه يُزين الباطل، ويُلبس الرث الرخيص ثوبا قشيبا ليباع بأغلى من ثمنه، كما أنه يرفع أقزاما ويُخفض قمما، لهذا أعلنها نبينا صريحة: من غشنا فليس منا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى