هاجس الانعكاس والارتجاع في رواية: مرايا الروح لـ: بشرى أبو شرار

وليدة محمد عنتابي | أديبة سورية

حين تعكس المرايا ما وراء الملامح وما يكمن في خبايا الروح، نطفو على سطحها بكليتنا بحيث نصبو إلى تجاوزها جاهدين بتجميلها أو تحييدها أو تجميدها في حيز ما  وتوقيت ما.

في رواية مرايا الروح للروائية: بشرى أبو شرار تتساءل الساردة هل هي المرآة وهي الوجه الذي يطل من أعماقها؟ أم أنها المرآة ووجهها يتصاعد من أعماقها ؟

من خلال لغة معاصرة وأسلوب سلس يسري في سياق متساوق ومشوب بمسحة من الشجن الذي تفرزه عذابات الوحدة إبان معاناة الذات في بلوغها سن النضج.

تتراوح أنفاس الساردة في حوار ضمني مثير، بينها وبين الآخر ذلك الحبيب الذي يبدو كأنه يمكث في جو افتراضي ماثل في مخيالها التواق إلى اللقاء والعودة إلى ماض عزيز أفلت منها لعلها يوما ما تكحل ذائقتها بمرآه وتجثو على ثراه .

أجل إنه الوطن الهاجس الذي لا يفارق بل يعانق على الدوام كل إحساس بالحنين والاشتياق.

تنعكس مخاوفها على مرآتها في وحدة انعزالية وحدة تكابدها على مستوى وعيها بما هو موجود وما هو مفقود.

تشتد الهواجس بينها وبين المرآة فتنفرد بها بين الوقت والآخر متسائلة في توجس ولوعة خشية أن تتهشم تلك المرآة فلا تعد ترى ذاتها في صدق انعكاساتها وتمظهر مكنوناتها.

غير أنها تأنس مجددا إلى ذلك الحبيب الذي يشابهها حد التطابق، وقد ترقرقت بينهما أزمنة وردية أعفى عليها زمن آخر متخم بواقعية قاسية جافة لا روح فيها ولا عواطف.

أجل فما قاسته الساردة في مسيرتها من عذابات المنافي ومعاناة الابتعاد عن الوطن الساكن في أعماقها، أكبر من كل حلم برغد ورفاه. 

رواية تدير الحدث بنعومة وروية تتداعى فيها المشاهد واللوحات حاملة في طياتها هواجس امرأة محكومة بالغياب وقد بلغ منها اليأس مدى احتاجت معه  إلى من ينتشلها من طوقه المقيت، فتطرد عنها أحزانا وأشجانا أضنتها طويلا، وقد مرت بذاكرتها على مهد صباها وأهلها ولداتها .

هاهي في اغترابهاتحاول أن تتماسك قرب ذلك الآخر  الذي اخترق جدران وحدتها وانتشلها من عزلتها.

إن علاقتها بالآخر الحبيب ليست علاقة كيانين جمع بينهما الحب،  بل هي رباط روحي يمتد عميقا وطويلا بينهما، فتتخاطب الأرواح وتتمرأى بمرآة واحدة؛ لتنعكس عليها عواطف وأشجان وآلام وآمال، فإذا بهما قريبان بلا انفصام حيث يمكث النور بينهما فيمحو الغياب ويجسد الحضور ، رغم المسافات والأبعاد . 

تتباين شخوص الرواية في مشاربها ومساراتها،  وتتراءى منعكسة في مرآة ماضيها حينا وحاضرها أحيانا .

يمتد بينها وبين تلك المرأة الجالسة في شرفتها خيط معنوي  دقيق يشف ويرق حتى تخاله امحى ، فإذا تلك المرأة هي ذاتها: (من مرايا الروح ألتحف الفراغ ، أصير أنا وهي الجالسة في شرفتها تحدب على ما يشغلها من خريف وقتها).

تختتم الأديبة روايتها بتهشم المرايا التي حملت روحها طويلا، وهاهي الآن لم تعد ترى ذاتها، في المدى تبحث عن ظلها عن طرقات غابت عن خطواتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى