عندما تكلم إسماعيل جمال قيسي

ريم البياتي | سوريا

احزم نهاراتك ياإسماعيل، سنحزم أرواحنا ونعبر الجسر، لنلتقي العالق هناك بخيوط هذيانه، المنتمي إلينا، نحن الذين تتبخر أحلامنا عند أول بارقة،إنما، لاتبتلعها غيوم النسيان.
/إسماعيل وأسفار هذيانه/ رائعة الروائي جمال قيسي التي سأتناولها بمنظار قارىء وليس بمشرط النقد فلستُ من ذوات الاختصاص في ذلك.
من كان على معرفة بالأستاذ القيسي، سيكون على يقين أنه لايهذي، إن تناولنا كلمة الهذيان بمعناها اللغوي، وإنما يتدفق لديه الوعي الكامل أسفاراً توقظ زمناً مضى، وتصفع واقعاً يترنح بأهله، (من يستطيع أن يعطيك إجابة، ولو ساذجة عن هراء السنين)؟ من يرتق القلب؟ من يجمع بين كفيه خيبات أعمارنا ، ويسكبها على ملأ، ونحن غافلون؟ بالمناسبة، هل هناك أعمار أخرى أيها الرائي؟
في يوم وليلة لم تكن شهرزاد هي الحكاية، وليس شهريار من يحمل السيف، بل خرج إسماعيل بنبوءته من بين ظهرانينا في لحظة تجلي، ممسكا بياقة الحلم (ضاربا عرض الحائط بالإمكانيات الكبيرة في جني المغانم) لتاجر التحف الذي كانت موازينه كاملة في زمن ناقص حتى لو قيل عنه (لايصلح لهذه المهنة).
القرين الذي صرخ في غفلة هذيان: (أليست الأحلام لعبتك، إن الملوك إذا دخلوا حلماً أفسدوه) فكيف ننجيك ببدنك أيها المبلول بالغربة، المقمط بالعزلة؟ لانجاة من هذه المصيدة التي سميتها الحياة، إنما ستسير كما أنت ، عارياً، إلا من حلمك، وفيض الذكريات، والأماني العرجاء في زمن يضيق بأهله ويضيقون به.

يفرد الأستاذ جمال قيسي ذاكرة إسماعيله الذي يملك زمام زمنه، رغم أنه انزلق منه وعلق في الرحم المقدس، لكنه قبض على أشياءنا نحن، تلك التي حاولنا أن نغض عنها أبصارنا، ونرتاح ولو إلى حين.
كعادته، يعيد الكاتب شريط الحياة في منطقة تسكن ذراته، بغداد المدينة وأهلها، فيحصي بعينه البصيرة ماسقط منهم، وهم يهرولون نحو الضفة الأخرى،متخففين_ بقدر ماأراد الدخلاء _من قيم أخلاقية تسقط، ونسقط معها مسوخاً، على خشبة مسرح، لم نعد أبطاله. يستحضر ماخفي عبر هذيانه الذي تنبأ به معلمه:_( إذاً ستكون اسماعيل)
هل صدفة أن يتنبأ المعلم بهذا؟مع أني أعتقد أن لامجال للصدف في عالم جمال قيسي.
بعد خيط النمل الذي اختتمه بعبارة (هزمت أرواحنا قبل أسلحتنا) نعم فمازلنا نخوض الحروب العبثية ومازالت خاتمتك تصلح لعنترياتنا، سنظل ننزلق من خندق إلى خندق، وياللهول حينما نستيقظ_ لو حصل فعلا_ ونجد أنفسنا وقد اشتبهت علينا الخنادق.
قل لي يااسماعيل: هل كنا الجيل الذي جعل من الوعي حلية، يخلعها عندما يعود من حوارات المقاهي؟ هل كنا نهذي يا إسماعيل؟ فأنجبنا فقاعات تلاشت عند أول ريح؟ يالأحلامك الشاحبة!
(انهض، ياسلطان الزمان، لترى كم تبعك آخرون بالتهمة نفسها: _هذا شقيقك فهد مثلاً) نعم يا إسماعيل، مازال هولاء(الآخرون) يودعون في المقابر، ونحن نظن ياللغباء أنها خرساء، اسأل حنبص، (أي أمر جلل أغضبه؟ صاحب الروح الجوالة التي فارقت وعينا، وراحت تسبح بلا أدران بكل الأفلاك الإلهية)
ألسنا مثل ذاك (المجاري)؟
أسفار الهذيان ،هي صرخة وعي بلاحدود:
(لا تخمد ولاتنضم إلى القطيع، بل عليك أن تمتلك وعي النحل).
أيها الوطن الذي قايضتنا بالريح، ووهبناك الخواء.
هذه حكايتنا معك (المؤامرة التي تسري على الجميع، المخادعين، والمخدوعين، وإلا، كيف تفسر هذا الحطام الآدمي)
تحية من القلب للروائي جمال القيسي..الذي استطاع إسماعيله أن يلمس داخل كل واحد فينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى