العلّامة السيد مصطفى جمال الدين في الذكرى الـ 24 لرحيله

محمد مصطفى جمال الدين | البصرة  – العراق

مساء الأربعاء الموافق 23- 10 -1996 توقف في دمشق قلب العلامة المجاهد الدكتور الشاعر العربي الكبير السيد مصطفى جمال الدين الذي غابَ جسداً وبقيَ علماً وأدباً وفكراً ونضالاً جسَّدَ النموذج الأمثل لرجل العلم والأدب ولشاعرٍ قديرٍ يمثلُ بشعرهِ ذاكرة عصرٍ ولا يقلُ عن شعر عمالقة العصر، إن لم يتفوق عليهم عذوبةً وقوة .

في مثل هذا اليوم يستذكرُ العربُ والعراقيون ذكرى رحيلهِ الرابعة والعشرين وكان يوم رحيله يوماً مشهوداً بتأريخ دمشق .

مصطفى جمال الدين شاعر العراق من شماله إلى جنوبه وشاعر الأمة العربية الذي حمل هموم امته ووطنه في شعره وجسدها فكراً ومضموناً وعاطفةً شجية كانت له دراسات مهمة ومعمقة في مجالات مختلفة من الدراسات الإسلامية والأدبية فقد كتب في الفقه والأصول والنحو واللغة والمنطق والبلاغة وعروض الشعر ولِدَ السيد مصطفى جمال الدين في 5-11-1927 في قرية (المؤمنين) في سوق الشيوخ جنوب العراق وتربى في كنف جدّه العلّامة المجاهد السيد عناية الله جمال الدين الذي يُعَد من أبرز القادة المجاهدين في حرب (الشعيبة) ضد الغزو الإنكليزي للعراق عام 1914م ؛ ثم  أكمل الدراسة الحوزوية في جامعة النجف الدينية وواكب حركة التجديد فيها، ومن بعدها أكمل دراسته الاكاديمية في كلية الفقه في النجف الاشرف وحصل على البكالوريوس عام 1962م .ثم حاز شهادة (الماجستير) في الشريعة الاسلامية في جامعة بغداد بدرجة جيد جداًعام ١٩٧٢ م .ليشتغل بعدها على شهادة (الدكتوراه) في اللغة العربية في جامعة بغداد بدرجة امتياز عام 1979م .

زاول العلّامة السيد مصطفى جمال الدين التدريس في كلية الفقه وكلية أصول الدين وكلية الآداب بجامعة بغداد في مدة تزيد على عشرين عاماً وقد تخرجت على يديه أجيال كثيرة ، وترأسَ جمعية الرابطة الأدبية في النجف حتى مغادرته العراق عام 1980م . وطُبعَت له المؤلفات التالية :

1- القياس حقيقتهُ وحجيتهُ .

2-  الاستحسان حجيته ومعناه .

3- الانتفاع بالعين المرهونة .

4- البحث النحوي عند الأصوليين .

5- الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة .

6- محنة الاهوار والصمت العربي .

7- ديوان (عيناكِ واللحن القديم).

8- الـــديــوان 

السيد مصطفى جمال الدين العالم والفقيه الذي أُشتهرَ بالشاعر قد التف حوله الجميع فكان محط انظار الجميع، كان رمز الوطنية والانتماء الصادق لتربة الوطن .

تغنى ببغـداد وكتب عنها ثلاثة قصائد تعتبر من قلائد الشعر العربي وأشهرها القصيدة الخالدة (بغداد والعصر الذهبي) التي ألقاها في مهرجان الشعر العربي في قاعة الخلد عام 1965م .

   بغــدادُ ما اشتبكت ْ عليكِ الأعصرُ

                   إلّا ذوتْ ووريــقُ عـمـركِ أخضــرُ

   مـرَّتْ بكِ الدنيا وصبحُكِ مشمسٌ

                  ودجـتْ عليكِ ووجـهُ ليلكِ مـقـمرُ

وجسَّـــدَ بشعرهِ حب الوطن والخشوع ببابه وهو يحلمُ بالعودة لذلك الوطن الحبيب.

     ويا وطناً لو انَّ الخُـلـدَ أزرى

                           برونقهِ لقلتُ له حـســـودُ

    أُحـبُّـكَ بل أحبُّ خشوعَ تفسي

                          ببابكَ حين أحلمُ بي أعـودُ

ويضع السيد مصطفى جمال الدين تعريفاً للوطن.. فما هو الوطن عند مصطفى جمال الدين: إنه الأرض التي يتنفس فيها الإنسان الحرية بكرامة، وقلب يخفق بالحب وإذا انعدم القلب الكبير ينعدم معه الوطن ليظل ذكريات لذلك الثرى العبّاق.

   وطـنُ الناسِ تــربــةٌ نـبـتُـها العز 

                   وقلبٌ بحبِّـهـم خـفــَّـــــــاقُ

ولم ينسَ مصطفى جمال الدين امته العربية ولم يتوانَ عن قضاياها الملحة فيعلو صوته بعد نكسة الخامس من (حزيران) عام 1967م بقصيدته المشهورة (للثأر والفداء)

    لملمْ جراحَكَ واعصفْ ايُّها الثارُ

                             ما بعدَ عارِ حـزيـرانٍ لنا عــــارُ

وحين يرى تقاعس أمته عن أداء واجبها تدوي قصيدته (شهيدُ الفداء) في مهرجان الشعر العربي في دمشق عام 1972م

   يَبسَ الجرحُ فانتفض يا شهيدُ

                           نامَ عن ثأرِكَ الكُماةُ الصيدُ

ويقارع السيد مصطفى جمال الدين الدكتاتورية فيحمل هموم شعبه أينما يحل في وقت سكتت فيه الحناجر المعروفة فبعد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991م يهدر صوته بقصيدة (يقظان)

   نـبِّـئوني يا مَن برفحاءَ بانــــوا

                           كيف يغفو بليلها اليقظانُ

  كيفَ هـزَّتْ عـواصفُ الرملِ مهداً

                        ضجـرتْ من بكائــهِ الأوطانُ

ويبقى حنينه للوطن ولمهد طفولته ولقريته التعبى ولمنبع رافديه وللنخل والمروج الخضراء وللحبيبة

(بـردى) يَـرفُّ فأجتويه لأنني

            ضيعتُ في عينيكِ عذبَ فراتي

وأعافُ ظِلَّ (الغوطتين) لعلَّني

                أتفيأُ الهفهافَ من سعفاتي

ويبقى حنينه للوطن وللنجف بصورة خاصة لكنه لم تكتحل عيناه بتراب الوطن متمثلا برملة النجف التي كم تمنى أن يراها قبل مماته

يا رملةَ النجفِ الشريف تذكري

                   ظمأَ العيونِ ففي يديكِ الموردُ

حنَّتْ فكان لها بذكركِ مسرحٌ

                    وشكتْ فكان لها برملكِ إثمــدُ

ونحن نستذكر السيد مصطفى جمال الدين بذكراه الرابعة والعشرين لا يسعنا إلا أن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحمه برحمته الواسعة ويحفظ العراق والعراقيين من كلِّ سوء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى