هل سيصمد تراثنا أمام الثورة الصناعية الرابعة؟

خاتمة بنت علي بن خميس الرشيدية

تعتز الدول بإرثها وحضارتها، ليس بغرض التباهي ولكن لأن الإرث يتوغل بجذوره في تربة الوطن، فيزيدها صلابة، ويشكّل طبقات من المجد تتراكم بعضها فوق بعض فتكتمل سلسلة من الجبال الشامخة، كعلامة فارقة يتوارثها الأبناء عن الآباء، في حقب زمنية مختلفة تعد بمثابة الإطار الزمني لكل وطن.

وهذا الإرث بجميع تقسيماته وأشكاله وصوره هو الهوية التي يتنقل بها الفرد من بلد لآخر، فتميزه عن أي شخص آخر في أي بلد، وتصنع له ملامحه وخلفية أحاديثه، فتجده حين يتحدث وكأن هذا الإرث هو الدلالات اللغوية والتعبيرية التي ترسم له تفاصيل أي حديث.

واليوم نحن نقف أمام موقف صعب مع هذا الإرث “أنمسكه على هون أم ندسّه في التراب”، فالثورة الصناعية الرابعة وهيمنة الذكاء الاصطناعي يجعلان وضع الإنسان نفسه حرجا ومربكا، فما بالك بإرثه وحضارته!! وتحاول الدول أن تزج بمقوماتها الاقتصادية والسياسية والعلمية لضمان البقاء والاستمرارية، في حين بدأت العديد من القيم والمعتقدات والآثار في التلاشي في الكثير من الدول، بغير قصد وبغير رغبة أيضا، ولكن لأن الربكة التي أحدثتها الثورة الصناعية الرابعة أحدثت بعض العشوائية في ترتيب الأولويات والاهتمامات، فأصبح السؤال ما الذي سيساعدنا على البقاء؟ وتغافلنا – سهوا – جذور هذا البقاء.

الثورة الصناعية الرابعة ومتطلباتها لا يجب أن تكون نقمة على هذا الإرث في أي دولة، بل يجب أن نعيد طريقة تفاعلنا معها، وتوظيفنا لطرق الاستفادة منها بسبل أكثر ذكاء، فعلى سبيل المثال قلعة بهلا المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي يمكن أن تصحبها معك إلى جزر الواق واق، وحين تحدث قاطني الجزيرة عنها، قدّم نموذجا لها من طابعتك ثلاثية الأبعاد تذكارا لهم، وفن العازي المسجل في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لدى منظمة اليونسكو كعنصر تتفرد به سلطنتنا العظيمة، لن يكن حكرا على شخص أو اثنين، بل أن حنجرتك الذهبية، ستستطيع برمجة حبالها الصوتية، لتتواءم مع المقومات الصوتية القوية التي يتطلبها فن العازي.

الأمر كله بيدنا، ولدينا من الإمكانات التقنية والذهنية ما يجعلنا نتقدم الركب، ونزيد من صلابة قلاعنا وحصوننا، الصلابة التي تستمر بالتسويق والتعريف بها، وسنسخر كل جديد تقدمه لنا الثورة الصناعية الرابعة، في نقل تفاصيل البداية بكل وعورتها للأجيال القادمة، وبدلا من اعتمادنا على الحكايات المروية، سنعيد سيناريو الحكايات جميعها بتقنيات الواقع المعزز، وبدلا من أن نسأل هل سيصمد تراثنا أمام متطلبات الثورة الصناعية الرابعة؟ سيكون السؤال هل ستستوعب الثورة الصناعية الرابعة متانة وعراقة هذا التراث؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى