يوميات فلسطيني في بلاد العم سام (4)

جميل السلحوت | القدس العربية المحتلة عاصمة فلسطين

 

النّظافة بين الكفر والإيمان

          أشعر بغصّة عندما تراودني فكرة المقارنة بين شعوبنا والشّعوب الأخرى، لأنّ المقارنة ليست لصالحنا، لذا فإنّني أبتعد عنها ما استطعت ذلك، فمثلا نحن ورثة مقولة “النّظافة من الايمان” ولدينا نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة الشريفة تحضّ على النّظافة، ولدينا آلاف المؤلّفات حول الطّهارة ومتعلقاتها، ولهذا فإنّه من المفترض أن نكون نظيفين بأجسادنا، ملابسنا، بيوتنا، شوارعنا، مستشفياتنا، مدارسنا، مؤسّساتنا وكلّ مناحي حياتنا،

 لكنّ المفترض شيء، والواقع شيء آخر. تماما مثلما هو الفارق بين من يتطيّبون ببول البعير، ومن يتطيّبون بالمسك والعود والرّيحان.

         والوضع في “بلاد الكفّار” مختلف جدّا، وما رأيته وأراه في أمريكا يذكّرني بما ينسب للامام محمّد عبده ـ رحمه الله ـ عندما زار فرنسا وكتب عنها “وجدت فيها اسلاما ولم أجد مسلمين”. فثقافة النّظافة هي السّائدة، مثلها مثل قِيَم حميدة أخرى. لذا فإنّ النّظافة تبدأ من البيت، فالبيوت ملزمة بأن تضع قمامتها في أكياس نايلون داخل حاويات القمامة المخصّصة لكلّ بيت، والتي تأتي سيّارات القمامة لأخذها يوما بعد يوم في بعض الحارات، ويوميّا في حارات أخرى، والقاء القمامة خارج الحاويات ممنوع، ويحاسب عليه القانون، وهذا سلوك اعتاد عليه النّاس، والمحلّات التّجارية مسؤولة عن قمامتها، تضعها في حاوياتها الخاصّة، ويتّفق كلّ محلّ مع شركة نظافة لنقلها على حساب المحلّ، والمحلّات مسؤولة أيضا عن نظافة الشّارع الذي يحاذيها، ومن يخالف يعاقب بمخالفة ماليّة رادعة. والمحلّ مسؤول عن نظافة داخله، ومن مشاهداتي في محلّ يملكه شقيقاي داود وراتب، أن جاءت مفتّشة من الصّحة، تبحث عن أيّ غبار على رفوف المحلّ بغضّ النّظر عن البضاعة المعروضة عليه. كما أنّها وضعت اصبعها تحت ثلاجة ضخمة في المحلّ بحثا عن غبار.

       المناطق الأمريكّية التي شاهدتها في عدّة ولايات أمريكيّة، لا يرى المرء فيها إلا الماء والخضراء والأبنية والشّوارع، فلا صخور ولا أراضي جرداء، وبما أنّ الأمطار تتساقط صيفا أيضا، فإنّ أعشاب الزّينة مثل “النّجيل” وغيرها تفور بشكل متسارع، وأصحاب البيوت مطالبون بقصّ هذه الأعشاب حول بيوتهم بشكل مستمر للحفاظ على جمال البيئة.

       في مناطق سكنيّة راقية عديدة، حيث تقوم شركات اسكان عملاقة ببناء أحياء سكنيّة في المناطق  لتأجيرها، مثل شركة Versailles on the lakes وهي شركة لها أحياؤها السّكنيّة في العديد من المدن الرّئيسيّة في أمريكا، وكلّ حيّ عدد شققه ما بين ثلاثمائة وخمسمائة شقّة، أبنيتها من ثلاثة طوابق، تتوزّع على عدّة أبنية، كلّ شقّة فيها واجهة مطلّة على الشّارع، تتوزّع الأبنية بطريقة منظّمة، فيبدو كلّ حيّ كأنّه مستقل بذاته، يحيط به سور، وله مدخل ببوّابة الكترونية، وعليه حراسة لمنع الغرباء من دخوله، وتخترق الحيّ شوارع منظّمة…وهناك مواقف للسّيارات أمام كلّ بناء، كما يوجد موقف تحت كلّ بناية، يتم تأجيره لمن يرغب من مستأجري الشّقق، وفي الحيّ بحيرة صغيرة فيها أسماك، وربّما اثنتان، تتوسّطها نافورة أو أكثر، هناك بركة سباحة، ناد رياضيّ، ودار ضيافة لمن يريد عمل احتفال من مستأجري هذه الشّقق. وطبعا هناك مكتب اداريّ لكلّ حيّ اسكانيّ. وتحيط الحدائق والورود والأشجار بالأبنية والشّوارع من كلّ الجهات، تتجوّل بها السّناجب والأرانب البرّيّة، وتحطّ الطّيور على أغصان أشجارها، بجانب المصاعد في كلّ بناء، ماسورة ضخمة لها باب قابل للفتح في كلّ طابق، يلقي بها ساكنو الشّقق قمامتهم لتسقط في حاوية في التّسوية تحت الأرضيّة. وممرّات الطّوابق مفروشة بالموكيت، حيث يقوم عاملون بتنظيفه بشكل دائم.

       من مشاهداتي في هذه الأحياء، أنّ موظّفي النّظافة يجوبونها، في يد الواحد منهم دلو بلاستيكيّ، وفي اليد اليمنى ملقط طويل يلتقط به ورقة تذروها الرّياح، أو عقب سيجارة ألقاه أحدهم في الشّارع، ويأتي رجل آخر يحمل على ظهرة مكنسة تشفط أوراق الأشجار المتساقطة، شاهدت فتاة حسناء جاءت تحمل عصا طويلة وفي رأسها شبكة…طافت حول بركة الماء لتلتقط ورقة من على سطح الماء.

22 حزيران 2015

 

ثقافات نفتقدها

                النّظافة ثقافة وسلوك وتربية، ومن مشاهداتي في أمريكا أنّ النّظافة ليست حكرا على حارات الأثرياء، فقد تجوّلت في حارات الفقر والجريمة، مع أنّ الفقر نسبيّ، والفقراء هم مدمنو الكحول والمخدّرات، وهؤلاء موجودون في كلّ دول العالم، بما فيها الدّول العربيّة والاسلاميّة، الفقراء ومدمنو المخدّرات في أمريكا يتقاضون دخلا مجزيا من الضّمان الاجتماعيّ، ولكي لا ينفقوه على المخدّرات فإنّه يصرف لهم من خلال بطاقة، يسمح لهم بشراء الموادّ الغذائية بواسطتها، حيث يتمّ سحب ثمن البضاعة المشتراة أوتوماتيكيّا من حساب المشتري إلى حساب البائع، من خلال ماكينة cash register  مربوطة مع البنوك، لكنّ بعض المحلات ومن ضمنها محلات يملكها عرب مسلمون يفتون بتحليل سرقة “الكفّار”، يقومون بتبديل تلك المساعدات كأن يسحب من حساب صاحب البطاقة مئة دولار مثلا، ويعطيه مقابلها خمسين أو ستين دولارا نقدا؛ ليشتري بها مخدّرات. أو يبيعه بنفس النّسبة كحولا، وهذه قضايا ممنوعة، ومن يتعامل بها يتعرّض لعقوبات صارمة قد تصل إلى سحب ترخيص محلّه التجاريّ، وتغريمة مبالغ كبيرة.

      النّظافة في الأحياء الفقيرة وغالبيّة سكّانها من السّود والمهاجرين المكسيك متوفّرة أيضا، فالشّوارع نظيفة، وهناك ورود وأشجار وأعشاب النّجيل على الأرصفة…وقد يشاهد المرء أحد السّكارى يلقي زجاجة على الرّصيف فتنكسر، وإذا ما شاهدته الشّرطة فإنّه سيدفع غرامة أو يسجن، لكنّ الزّجاج سريعا ما يتمّ تنظيفه من قبل المحلّ أو البيت المجاور.

الممتلكات العامّة

         ثقافة الحفاظ على الممتلكات العامّة مغروسة في نفوس المواطنين؛ لأنّ القانون يحميها، فأصبحت سلوكا هي الأخرى، فمثلا مظلّات مواقف الحافلات من الزّجاج، ولا أحد يعتدي عليها، بما في ذلك في حارات الفقر وادمان المخدّرات. وكذلك الأمر بالنّسبة للمدارس، فلا أحد يدخلها بعد الدّوام…وهذه ثقافة سائدة.

حماية البيوت

           للبيوت حرماتها التي تبدأ من مداخل حدائقها، ولا يجوز انتهاك هذه الحرمات مهما كانت الأسباب، ولم أشاهد بيتا واحدا على شبابيكه حماية حديديّة كما هو الحال في بلادنا، لأنّ عقوبة من ينتهك حرمات البيوت رادعة. وهناك فلسفة أخرى لعدم وضع حماية على نوافذ البيوت، وهي كي يكون دخول البيت سريعا من قبل الدّفاع المدنيّ والاطفائيّة في حالات اندلاع حريق، خصوصا وأنّ استعمال الخشب في صناعة البيوت واسع جدّا.

تمييز عنصريّ

      على شاطئ بحيرة متشيغان المحاذي لمركز مدينة شيكاغو Down town شاهدت مسبحين، واحدا يتواجد فيه السّود والثّاني للبيض، مع التّنويه أنّه لا يوجد تقسيم معلن لذلك، لكن يبدو أنّه عادة متعارف عليها…والمهمّ أيضا أنّ الشّاطئ نظيف أيضا.

23 حزيران 2015

 

 انغلاق العرب الأمريكيّين

      تشير الاحصائيّات الأمريكيّة إلى أنّ عدد المهاجرين العرب ومن الدّول الاسلاميّة يتساوى مع  عدد اليهود أو يزيد، لكنّ اليهود الأمريكيّين منظّمون ولهم مؤسّساتهم مثل”الايباك” التي توجّههم، وتحمي مصالحهم؛ ليشكّلوا ورقة ضغط تحسم نتائج انتخابات الكونغرس والرّئاسة الأمريكيّة، وتحافظ على استمراريّة دعم البيت الأبيض اللا محدود لاسرائيل. في المقابل فإنّ المهاجرين العرب والمسلمين في غالبيّتهم منغلقون على أنفسهم، جزء كبير منهم لا يعلم ما يدور حوله، لكنّه يدّعي أنّه علّامة عصره، تماما مثلما يحصل في الدّول العربيّة والاسلاميّة، حيث الجهل والفقر والتّخلف السّائد والانغلاق الثّقافي، ونجد من يزعم أنّنا علماء الأرض والمالكون الوحيدون للحقيقة، بل أنّنا خلفاء الله في الأرض…فالمهاجرون العرب منعزلون في غالبيّتهم عن الحياة والسّياسة الأمريكيّة، فلا يشاركون في الانتخابات على سبيل المثال، ولو أنّهم يشاركون لاستطاعوا التأثير على السّياسة الأمريكيّة، خصوصا فيما يتعلّق بالصّراع الشّرق أوسطيّ.

     وانغلاق الجالية العربيّة والاسلامية يؤثّر أيضا على الأعمال التي يمارسونها، وبالتّالي على مداخيلهم الاقتصاديّة. ويلاحظ في أمريكا أنّ جزءا كبيرا من العرب يعمل في أعمال خطيرة قد تكلّفهم حياتهم، كسائقي سيّارات الأجرة، أو أصحاب المحلّات، ومنها محلّات لبيع الخمور في مناطق السّود الفقيرة، التي يعيش فيها مدمنو المخدّرات والمجرمون…وعندما تناقشهم عن أسبابهم بعدم فتح محلّات في المناطق الرّاقية، يزعمون بأنّها لا تنجح لأنّ البيض لا يشترون من الملوّنين لأسباب عنصريّة، وهذا سبب غير مقنع، حيث يشاهد المرء فيها بسهولة محلات ناجحة يملكها أفراد من جنوب شرق آسيا كالهنود والصّينيّين والكوريّين وغيرهم.

      وعدم فهم المهاجرين العرب لطبيعة وثقافة الشّعب الأمريكيّ، أوصل البعض منهم إلى الافلاس، ففي أمريكا مثلا أفلست وأغلقت عشرات المطاعم العربيّة، باستثناء عدد قليل منها اثنان في شيكاغو، وواحد في هيوستن له فروع أيضا، رغم أنّ المطاعم التي تقدّم أكلات شعوب أخرى ناجحة جدّا في أمريكا، كالمطاعم الصّينيّة، الهنديّة، البرازيليّة، اليابانيّة، الايطاليّة، المكسيكيّة، الأرجنتينيّة وغيرها، فما هي أسباب نجاح بعض العرب وفشل البعض الآخر؟

       فالنّاجحون مثلا حرصوا على وجود مواقف سيّارات بجانب مطاعمهم، لأنّ الأمريكيّ غير مستعدّ أن يوقف سيّارته، ويمشي مئات الأمتار أو كيلومترات ليتناول وجبة طعام، ويحرصون على نظافة المطاعم من أرضيّة وطاولات ومطبخ، وأدوات الطّعام من صحون وملاعق وغيرها، وهم حريصون حتى على نظافة الحمّامات. ومن هذا المنطلق فإنّهم يستخدمون نادلات أمريكيّات يعرفن كيف يحافظن على النّظافة، يضاف إلى ذلك أنّ صاحب المطعم النّاجح يحرص على جودة الطّعام الذي يقدّمه، ولا يغيّر في طريقة اعداده مع الأيّام. 

24 حزيران 2015

 

القاعدة وليس الاستثناء

        عندما نتكلّم عن انغلاق العرب والمسلمين في أمريكا، فإنّنا نقصد القاعدة وليس الاستثناء، ومعروف أنّ لكلّ قاعدة استثناء، فمثلا في هذه المرحلة معروف أنّ الشّعوب العربيّة والاسلاميّة، هي أكثر شعوب الأرض جهلا وفقرا، ويدورون في حلقات مفرغة من التّخلف والجهل والحرمان، تقودهم إلى الاقتتال وذبح بعضهم بعضا، وتدمير أوطانهم وغيرها، لكنّ هذا لا ينفي وجود متعلّمين ومتطوّرين ومثقفين وأثرياء بينهم، وهم لا يشكّلون طبقة فاعلة يمكنها التّغيير، مع عدم انكار دور المتعلّمين والمثقّفين في التّوعية وتعبئة الجماهير.

        من استثناءات المهاجرين العرب في أمريكا وجود علماء ومفكّرين وسياسيّين لهم دور بارز في مجالهم، لكنّهم لم يستطيعوا التّأثير على الجالية العربيّة؛ لتأطيرها في مجموعة فاعلة كما هي حال اللوبي اليهودي “إيباك”. فعلى سبيل المثال الرّاحل ادوارد سعيد أنتج ثورة ثقافيّة فكريّة على مستوى العالم. وهناك من أبدعوا في مجالات أخرى كعالم الفضاء المصريّ الدّكتور فاروق الباز، اللبنانيّ شارل العشي، عالم الكيمياء الدّكتور احمد زويل الحاصل على جائزة نوبل، جرّاح القلب الشّهير مجدي يعقوب، ستيف جوبز وآخرين، المفكر د. هشام شرابي وهناك أسماء بارزة في مجالات مختلفة منها من رحل عن هذه الدّنيا، ومنهم من نتمنّى له طول العمر، أمثال: جيمس زعبي، كلوفيس مقصود، عابدين جباة، رالف نادر، وآخرين، وهناك آلاف الأساتذة الجامعيّين من حملة شهادة الدّكتوراة في مختلف التّخصّصات. وهناك رجال أعمال عرب في أمريكا يملكون المليارات أيضا، فماذا استثمروا منها في بلدانهم؟

      لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو:

 هل استطاعوا التأثير على الرّأي العام الأمريكيّ لصالح القضايا العربيّة؟

 وهل كان لهم دور مؤثّر وفاعل على أبناء الجالية العربيّة في أمريكا؟

ولماذا لا يوجد لوبي عربيّ فاعل في أمريكا؟

25 حزيران 2015  

 

الوجه الآخر للمهاجرين العرب

        صحيح أن أمريكا امبراطوريّة غنيّة ومتطوّرة في مختلف المجالات، وهي بلاد فرص لمن يستطيع اقتناص الفرصة التي تتاح له، لكنّها في الوقت نفسه لا تمطر ذهبا ولا فضّة، وهي نظام رأسماليّ ـ كما يعلم الجميع ـ فمن يتعب فيها يلعب، ولا مكان فيها للكسالى والمتواكلين، وفي نفس الوقت فإنّ مختلف سبل الضّياع موجودة هي الأخرى بجانب سبل النّجاح، فالمخدّرات والملاهي بأشكالها المختلفة موجودة أيضا. ففي الوقت الذي نشاهد فيه عربا متعلّمين وغير متعلمين ناجحين والثّراء ظاهر عليهم، هناك أيضا عرب ضاعوا في أمريكا وانجرفوا وراء المخدّرات والقمار وغيرها، وهناك من هاجروا طلبا للرّزق أو للعلم، لكنّهم أضاعوا أنفسهم، عندما انحرفوا وراء المخدّرات، رأيت فلسطينيّا مهاجرا إلى أمريكا منذ العام 1962، الرّجل أشيب يرتدي ملابس رثّة، ينام في أحد المساجد الذي يقدّم وجبة عشاء لأبناء السّبيل الذين ينامون فيه، الرّجل كان عاتبا على امام المسجد لأنّه قدّم له نصف دجاجة، وقدّم باقي الصّينيّة لمسلمين أفارقة، ويرى أنّه أحقّ منهم! والرّجل عندما هاجر ترك زوجته التي هي ابنة عمّه، ولمّا سألته عن عمر ابنه الذي يكنّى به” أبو فلان” قال: هذا غير موجود، وأضاف مفاخرا بأنّ له مئات الأبناء والبنات الذين أنجبهم من بائعات الهوى ولا يعرفهم! وقابلت رجلا آخر كان ثريّا في البلاد أرسلته العائلة لحضور حفل تخريج ابن شقيقته من إحدى الجامعات، فتخرّج ابن شقيقته وعاد إلى البلاد، في حين لم يعد هو إلا مرّة واحدة باع فيها أملاكه وترك زوجته وأبناءه، وأضاع كلّ ما يملك على موائد القمار والمخدّرات في أمريكا، ولا يجد قوت يومه. كما التقيت عربيّا من جنسيّة أخرى متزوّج من أمريكيّة تعتاش مع ابن وابنة من مساعدة الضّمان الاجتماعيّ، لأنّ الأب مدمن مخدّرات.  والبنت والابن مدمنا مخدّرات، ويمضيان يومهما مع المنحرفين ومدمني المخدّرات.

        من العرب من حاولوا الاغتناء في يوم وليلة؛ فتاجروا بالمخدّرات ويمضون أعمارهم في السّجون.  ومن العرب من يتزوّجون أمريكيّات بقصد الحصول على الجنسيّة، ومنهم من ينجب من هذه الزّوجات، وبعد الحصول على الجنسيّة يطلّقها ويتخلّى عن أبنائه؛ ليضيعوا وسط صخب الحياة الأمريكيّة دون أن يسأل عنهم، ومنهم من يساكنون أمريكيّات وينجبن منهم، ولا يعترفون بأبنائهم أيضا.

        هناك عرب لا طموح لديهم، فقد هاجروا من بلدانهم هربا من حياة الفقر والحرمان، عملوا وجدّوا واجتهدوا في أمريكا، منهم من حقّق طموحه بامتلاك محلّ بقالة صغير، يدرّ عليه دخلا محترما قياسا بدخله في بلاده، كأن يدخله خمسة آلاف دولار أو تزيد قليلا في الشّهر الواحد، وهذه قد تكفيه لحياة عاديّة، ولا يفكر بتطوير عمله مطلقا. والأمثلة كثيرة على تفوّق ونجاح وضياع عرب كثيرين أيضا. وفي بعض المساجد يجمعون تبرّعات سخيّة بعد صلاة الجمعة لمساعدة الأسر العربيّة والمسلمة المستورة، بسبب ضياع أربابها.

 

الطّلاب العرب في أمريكا

             يدرس آلاف الطلّاب العرب في الجامعات الأمريكيّة، جزء منهم مبتعثون من حكوماتهم، خصوصا دول الخليج العربيّ، والطلّاب العرب يجدون أنفسهم في بيئة مختلفة، مجتمع مفتوح…الحرّيّات الشخصيّة لا حدود لها…. ثقافات مختلفة وقيم تختلف عمّا تربّوا عليه، يتفاجأون بأشياء كثيرة ومنها العلاقة بين الرّجل والمرأة، فهم جاؤوا من مجتمعات تعاني الكبت والحرمان، ومنه الكبت الجنسيّ. الجامعات الأمريكيّة ترحّب بالطلّاب العرب وغير العرب، ويبقى على الطلاب اختيار الجامعة التي سيلتحقون بها، وفي أمريكا جامعات غير معترف بشهاداتها حتى في أمريكا نفسها.

       في بداية العام الدّراسيّ الجامعيّ عام 2001 كنت وشقيقي داود والمهندس حسين شاكر سرور برفقة ابني قيس عند تسجيله في جامعة دومينكان في شيكاغو، وهي جامعة عريقة تأسّست عام 1899 تحت اسم جامعة Rosa وعام 1998 غيّرت اسمها إلى جامعة دومينكان، قالت لنا مديرة شؤون الطّلبة الأجانب أنّ جامعتها ترحّب بالطّلاب العرب؛ لأنّهم يرفعون اسم الجامعة باجتهادهم، وأضافت بأنّ 92% من الطّلاب العرب ينهون الشّهادة الجامعيّة الأولى دون أن يقصّروا بمادّة واحدة، يأتون إلينا وسريعا ما يتعلّمون الّلغة ويتفوّقون على الطلبة الأمريكان، فهم لا يتعاطون المخدّرات والكحول، ومن يساكن منهم فتاة فإنّه يتعامل معها كزوجة! ولا يعاشر فتاة أخرى. وواصلت حديثها متعجّبة من التّربية العربيّة الصّارمة، وردّت ذلك إلى أخلاقيّات الدّين الاسلامي.

      في الواقع فإنّ الطّلبة العرب في أمريكا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هي:

ـ قسم جاء للدّراسة وحصر نفسه في المهمّة التي جاء من أجلها، فهو يدرس ويجتهد، والفقراء منهم يعملون لتغطية نفقات دراستهم، فهم يعملون في محطّات الوقود والمطاعم وغيرها. ينهون دراستهم ويعودون إلى بلدانهم بشهادات عالية.

ـ قسم يدرس ويجتهد ويتخرّج مبهورا بنمط الحياة الأمريكيّة، والفرص المتاحة له في أمريكا والمعدومة في بلاده…فيعمل ويحصل على الاقامة وربّما الجنسيّة إذا كانت شهادته وتخصّصه مطلوبة في أمريكا، وهؤلاء في غالبيّتهم خريجو كلّيّات علميّة، ويبدعون في أمريكا ويعرفون كيف يبنون أنفسهم، وقلّة من هؤلاء من يعود إلى بلاده.

ـ قسم ينجرف وراء الملذّات من مخدّرات وكحول ونساء، فيضيعون في أمريكا…لا يتعلّمون ولا يعملون.

      من الأحاديث التي سمعتها أنّ بعض الطلاب العرب الأثرياء والمبعوثين بمنح دراسيّة، يستأجرون من يعمل لهم أبحاثهم الجامعيّة، ومعروف أنّ التّعليم في أمريكا يعتمد على البحث في غالبيّته، وهؤلاء يتخرّجون ويعودون إلى بلدانهم، ويستلمون مناصب رفيعة بناء على الشّهادات التي يحملونها، لكنّهم في الواقع غير مؤهلين.

 

في بحيرة جنيفا

     أصرّ قيس وزوجته أن يصطحبانا ” أنا وزوجتي حليمة أمّ قيس” هذا اليوم 4 تموز 2015 لنقضي يومنا في بحيرة جنيفا Geneva Lake، وتبعد عن مركز مدينة شيكاغو حوالي 132 كم. تبلغ مساحة هذه البحيرة حوالي 21 كم مربع، ومتوسط عمق مياهها هو 19 مترا، تقع في ولاية ويسكنسن Wisconsin التي تشتهر بتربية الأبقار وانتاج الجبن، وببحيراتها التي يزيد عددها على الخمسة عشر ألف بحيرة مختلفة المساحات والأعماق. ومياه بحيرة جنيفا عذبة متجدّدة.

اسم البحيرة والمدينة

              جاء اسم البحيرة والمدينة من “جنيف” عاصمة سويسرا، وقد أطلق المهاجرون السويسريون هذا الاسم على تلك المنطقة تخليدا لعاصمة بلادهم التي هاجروا منها إلى أمريكا.

حريق شيكاغو وبدايات بحيرة جنيفا

         عام 1871 اندلع حريق أتى على مدينة شيكاغو وحوّلها إلى رماد، وهناك عدّة روايات حول أسباب ذلك الحريق، ويرجّحون أنّ ثورا هائجا قلب فانوسا نفطيّا، فاشتعلت النّيران في مزرعة الأبقار، وامتدّت إلى الأشجار والبيوت الخشبيّة الأخرى، واحترقت المدينة بكاملها، ممّا أجبر سكانها على الهروب منها طلبا للنّجاة بحياتهم…ووصل أثرياء المدينة إلى بحيرة جنيفا، حيث كانت أخر محطّة يصل إليها القطار في حينه، وكانت وقتئذ منطقة خالية تطغى عليها الغابات، واستقروا هناك، فكانت هذه بداية تأسيس “مدينة بحيرة جنيفا”.

في الطّريق إلى البحيرة

     الطريق إلى البحيرة تحفّ جانبيه الأشجار الحرجيّة المعمّرة من بقايا الغابات التي كانت تطغى على القارّة الأمريكيّة، وما أن يخرج المرء من حدود ضواحي شيكاغو حتّى يدخل ريف ولاية ويسكنسن، وهو ريف زراعيّ تنتشر فيه مزارع تربية الأبقار الذي تشتهر بها الولاية.

بحيرة جنيفا

      لم نتجوّل في “مدينة بحيرة جنيفا، وهي مدينة سياحيّة لا يزيد عدد سكانها المقيمين فيها على  7500 شخص، لأنّ غالبية بيوتها يملكها أثرياء يأتونها للاستجمام فقط، وفي أوقات متباعدة. دخلنا طرف المدينة من جهة البحيرة حيث المنطقة السّياحيّة، والمسابح، وتسمّى Rivera  ومنها يكشف المرء امتداد البحيرة التي تحيط بها الأشجار الحرجيّة الكثيفة…يرى المرء من هناك قوارب على شاطئ البحيرة، عدا عن القوارب التي تمخر عباب مياهها، ومن منطقة الرّيفيرا استقلّينا قاربا سياحيّا يتّسع لخمسين شخصا، فيه مرشد يشرح عن القصور الفاخرة المقامة على شاطئ البحيرة وسط الأشجار الكثيفة، ليكتشف المرء أنّ لكلّ بيت موقفا لقاربه أو أكثر من موقف لأكثر من قارب، وهذه المواقف يجري رفعها عند بداية موسم تجمّد البحيرة ما بين كانون أوّل ـ ديسمبر ـ و آذار ـ مارس ـ من كلّ عام. ويكلّف ذلك مبلغ ثلاثة آلاف دولار كما قال المرشد.

     ممّا قاله المرشد أنّهم كانوا يشترطون عند ترخيص الأبينية المحيطة بشاطئ البحيرة، أن لا يكون للبيت الجديد شبيه في البيوت المقامة، لذا فإنّ المارّ بالقارب السّياحيّ سيرى بيوتا لافتة حجما وهندسة وشكلا. يتراوح ثمن البيوت الأرخص سعرا على شاطئ البحيرة ما بين ثلاثة ونصف وأربعة ملايين دولار، في حين يزيد ثمن بعض البيوت عن العشرة ملايين دولار بكثير، وتتراوح ضريبة السّكن على هذه البيوت ما بين 40 و 60 ألف دولار في السّنة.

مصائب قوم عند قوم فوائد

     مررنا بقصر فخم بناه مليونير من أصل ألمانيّ عام 1901 بتكلفة مليوني دولار في حينه، وهو مكوّن من أكثر من مئة غرفة، وقصّة هذا القصر أنّ صاحبه اشترى مساحات شاسعة من أراضي شيكاغو المحترقة بثمن بخس، ولمّا أعيد بناء المدينة اغتني من الأراضي التي باعها بأسعار مرتفعة، ممّا أثار غيرة أثرياء المدينة الذين بنوا بيوتا في مدينة بحيرة جنيفا، فاختار نكاية بهم تلّة تعلو بيوتهم جميعها، ويراهم منها ويرونه هم ايضا، وبنى قصره هذا عليها.

الثّراء للمبدعين

           من اللافت أنّ هناك قصورا متجاورة وعلى مساحات شاسعة لأبناء عائلات، توارثت الثّراء عن جدّهم الأوّل، مثل عائلة Wriggley التي تعتبر من أشهر عائلات شيكاغو وأكثرها ثراء، وهم يملكون مصانع وملاعب رياضيّة وغيرها، وكانت بدايات ثرائهم صناعة ” علكة السّهم” وبعض الحلويات مثل Mars وغيرها.

         من خلال ما يقوله المرشد يظهر بأنّ أصحاب هذه القصور كانوا مبادرين ومخترعين فمثلا أشار إلى قصر عظيم وقال:

 هذا قصر مخترع ثلاجات حفظ الطّعام التي تجوب الشّوارع لتوزيعه على المحلّات، وذاك قصر صاحب ومؤسس صحيفة شيكاغو سن تايمز Chicago Suntimes” وذاك قصر المدير المالي لجامعة شيكاغو…إلخ.

       وقصور شاطئ بحيرة جنيفا يملكها أثرياء من مختلف أنحاء أمريكا، الذين يفاخر الواحد منهم أنّه يملك بيتا في هذه المنطقة الجميلة.

       والعجيب أنّهم لا يسكنون هذه القصور الفارهة، بل يقضون فيها اجازاتهم الأسبوعيّة، ويقيمون فيها احتفالاتهم ومناسباتهم كالاحتفال بعيد ميلاد أحدهم.

5 تموز 2015

 

أمريكا لفيف من العالم

               يعرف العالم جميعه أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي الدّولة الأغنى والأقوى في العالم، علما أنّ القارّة الأمريكيّة تعتبر “العالم الجديد” حيث اكتشفها عام 1492 الاسباني كريستوفر كولمبوس، واعتقد في حينه أنّه وصل “جزر الهند الغربيّة”.

      توالت هجرات الأوروبّيّين إلى العالم الجديد، وخاضوا حروبا ضدّ سكّان البلاد الأصليّين المعروفين “بالهنود الحمر”، وقضوا على عشرات الملايين منهم.

      في 4 تموز 1776 أعلن استقلال الولايات المتّحدة الأمريكيّة عن بريطانيا…وتوالت الهجرات إلى هذا البلد من مختلف دول العالم.

     ونحن نسوق هذه العجالة للفت الانتباه بأنّ هذه الامبراطوريّة التي تتحكّم بالعالم حديثة العهد، وأنّ شعبها خليط من أجناس بشريّة متعدّدة المنابت والألوان والمعتقدات، ومع ذلك استطاعوا التآلف ليبنوا البلد الأغنى والأقوى في العالم.

    صحيح أنّ الولايات المتّحدة بلاد شاسعة وغنيّة تبلغ مساحتها 9629091 كم مربّع، وهي أراض خصبة كانت تطغى عليها الغابات. لكنّ الذي بناها هو الانسان الذي طوّر الزّراعة، واستغل الثّروات الطّبيعيّة، وقام بتصنيع البلاد، وبحث عن أسواق جديدة.

فكيف استطاعت هذه الأجناس البشريّة المتعدّدة الأصول والمشارب والثّقافات بناء هذه الامبراطوريّة؟

فلا يكاد يوجد جنس بشريّ إلا ومنه من هاجروا إلى هذا البلد، استقرّوا فيه وأصبحوا من رعاياه، وفيه مختلف الدّيانات السّماويّة والوضعيّة والوثنيّة، وفيه الملاحدة الذين لا يؤمنون بأيّة آلهة، وفيه كلّ لغات الأرض.

       والواقع أنّ الدّستور الأمريكي ضمن الحرّيّات الشّخصيّة والدّينيّة، وما يندرج تحتها من مسمّيات، وفصل السّلطات الثّلاث “التّشريعيّة، التّنفيذيّة والقضائيّة” وبنى الدّولة المدنيّة التي يسودها القانون، ويتساوى أمامه جميع المواطنين، فاللغة الانجليزيّة هي اللغة الرّسميّة، لكن من حقّ أيّ مواطن أن يتكلّم اللغة التي يريد، سواء كانت لغته الأمّ أو لغة تعلّمها، بل هناك في المؤسّسات الاقتصاديّة علاوة ماليّة لمن يجيد لغات أخرى، وضمن حرّيّة المعتقد لكلّ أتباع الدّيانات أن يبنوا دور عبادتهم، وأن يؤدّوا شعائرهم الدّينيّة كيفما يشاؤون، وأن يفتحوا المدارس الخاصّة بهم ومنها مدارس دينيّة، وأن يتعلّموا لغة آبائهم وأجدادهم، وجاءت هذه التّعدّدية العرقيّة والدّينيّة والعقائديّة واللغويّة لتشكل فسيفساء شعب يحترم بعضه بعضا، ويعرف كيف يبني دولة عظمى ويحافظ عليها.

فاستغلّوا الأراضي الزّراعيّة بشكل جيّد، وطوّروا التّعليم في مختلف مراحله، وصنّعوا البلاد، لأنّهم عرفوا جيّدا كيف يبنون الانسان.

       وهذا – مع الأسف- ما لا يعرفه من يزعمون أنّهم ورثة أمجاد يتغنّون بها، ومنهم نحن العربان، فلم نعرف ولا نزال لا نعرف كحكومات وكشعوب كيف نحترم ونعترف ونقرّ بحقوق الأقلّيّات الدّينيّة والعرقيّة في بلداننا، ولم نرسّخ حتّى أيّامنا هذه مفهوم” الدّين لله والوطن للجميع” لذلك فإنّنا نعيش اقتتالا طائفيّا وعرقيّا نقتل فيه بعضنا بعضا، وندمّر أوطاننا وخيراتنا، وأضعنا أوطانا وأصبحنا اضحوكة بين الأمم دون أن ننتبه إلى ما نحن فيه. فهل كنّا سنصل إلى هذا الدّمار وهذا الخراب لو كانت عندنا دول أو دولة مدنيّة يسود فيها القانون، وتحفظ حقوق مواطنيها؟ ولماذا لا نتّحد ونحن نتغنّى بالوطن الواحد، اللغة الواحدة، الدّين الواحد، العرق الواحد، والتّاريخ المشترك؟ وهل استطعنا عبر هذا التّاريخ بناء دولة حقيقيّة، أم أنّنا بنينا تحالفات عشائريّة تتربّص ببعضها البعض؟

8 تمّوز 2015

 

فقراء في أمريكا

           سيذهل الزّائر لأمريكا للمرّة الأولى ممّا يرى، فأن تكون في الدّولة الأغنى في العالم ستصعب عليك المقارنة مع دول فقيرة وحتى غنيّة أخرى، وممّا أذهلني هو رؤيتي لغابة من ناطحات السّحاب، تخترق الغيوم وتعتليها أثناء نزول الطّائرة التي كنت فيها في مطار “أوهير” في شيكاغو، وتكرّر المشهد أيضا في نيويورك. وكذلك رؤيتي لقطار يمرّ في شيكاغو حاجزا حركة السّيارات لأكثر من ربع ساعة، وكلّ عرباته تحمل نتاج المصانع. ولفت انتباهي الجسور التي تمتد لمئات الكيلومترات طبقات فوق طبقات؛ لتحلّ مشكلة ازدحام حركة ملايين السّيّارات. وكذلك محلّات الشّركات العملاقة التي تغطي فروعها مدن وقرى الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وهناك الكثير الكثير الذي يذهل الزّائر لهذا البلد، لأنّه لا يرى ما يراه في أمريكا في بلدان أخرى.

         وهذا الثّراء الفاحش لا ينفي وجود فقراء في أمريكا، لكن لهذا الفقر أسبابه، وإن اختلفت عن مثيلاتها في الدّول الفقيرة. فضمان الدّخل في أمريكا يقدّم مساعدات مجزية لمواطنيها الفقراء. ويستطيع المرء مشاهدة المستفيدين من ضمان الدّخل في المحلّات التجارية عندما يشترون الموادّ الغذائيّة، ويدفعون ثمنها من بطاقة المساعدة، حيث تسحب ماكينة المحلّ ثمن البضاعة مباشرة من حساب الزّبون إلى حساب المحلّ. لكنّ بعض هؤلاء المستفيدين من هذه المساعدات ينفقونها على المخدّرات والكحول، ولهم طرقهم الخاصّة للالتفاف على القانون الذي يمنع انفاقها على ذلك. وفي حارات الفقر والمخدّرات يجد المرء بسهولة من يتسوّلون سيجارة أو ربع دولار! كما توجد الجريمة التي تصل درجة القتل في عملية “تقشيط”.

           أمريكا دولة القانون لا تتهاون مع مرتكبي الجرائم، بغضّ النّظر عن ماهيّة الجريمة، لذا فإنّ عدد السّجناء فيها يتراوح بين مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين شخص.

     وأمريكا بلد الثّراء والفرص ـ لمن يعرف كيف يستغلّها ـ فيها ملايين المهاجرين غير الشرعيّين، خصوصا من المكسيك الجارة الجنوبيّة، وهؤلاء لا تقدّم الحكومة الأمريكيّة المساعدة لهم؛ لأنّهم ليسوا من رعاياها. بل إنّ وجودهم فيها غير شرعيّ، لكنّها تقبل أبناءهم في مدارسها، وتقدّم لهم وجبات الطّعام مع طلابها؛ لأنّهم لا ذنب لهم كأطفال بدخول البلد بطريقة غير مشروعة، ويختلف الوضع مع أطفالهم الذين يولدون في أمريكا، فهؤلاء مواطنون أمريكيّون… شاهدت في ولاية نيو مكسيكو وهي ثاني أفقر ولاية في أمريكا بعد ولاية المسيسبّي بيوتا من ألواح الزّينكو، أمام كلّ منها حصان غير أصيل، وهذه البيوت يسكنها المهاجرون غير الشرعيّين القادمون من المكسيك المجاورة. وفي نفس الولاية شاهدت قرى للأمريكيّين الأصليّين “الهنود الحمر” تقع على جوانب السّيول التي تتغذّى بذوبان مياه الثّلوج على رؤوس الجبال، فبيوتهم طينيّة فقيرة، وبعضهم يزرع خضروات بسيطة كملفوف السّلَطة. كما شاهدت في مدينة سانتافييه في نفس الولاية ساحة يبيع فيها الهنود الحمر صناعاتهم اليدوية البسيطة والرّخيصة والفقر ظاهر على وجوههم.

8 تمّوز 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى