يوميات فلسطيني في بلاد العم سام (5)

أديب السلحوت | القدس العربية المحتلة عاصمة فلسطين

 

شيكاغو نموذج للمدن الأمريكيّة

           تأسّست مدينة شيكاغو عام 1833، وفي حينه لم يتجاوز عدد سكانها الثلاثمائة شخص، وتطوّرت حتى بلغ عدد سكّانها ما يقارب المليون عندما تعرّضت للحريق الذي أتى عليها عام 1871، وبقيت تتطوّر كثالث أكبر مدينة أمريكيّة اقتصاديّا بعد نيويورك ولوس انجلوس، حيث بلغ عام 2010 نتاجها الاقتصاديّ 532 مليار دولار، وتعتبر المدينة التّاسعة في ترتيب المدن الأغنى في العالم.

    وسنأخذها كنموذج للمدن الأمريكيّة. تبلغ مساحة شيكاغو الكبرى 28 ألف كيلومتر مربع، ومساحة مركز المدينة Down Town أربعة كيلو متر، وهي منطقة ناطحات السّحاب، وتتمركز فيها مقرّات ومكاتب كبريات الشّركات، وبورصة شيكاغو. ولكي تستطيع البلديّة تقديم خدمات لائقة بالمدينة وسكّانها، فقد تقسّمت إلى بلديّات يصل عددها إلى 205 بلديّة تشكّل في مجموعها ” شيكاغو الكبرى”  في حين تبلغ مساحة بلديّة شيكاغو الأمّ 600 كلم، يسكنها حوالي 2.750.000 نسمة، في حين يبلغ عدد سكّان شيكاغو الكبرى حوالي عشرة ملايين شخص. ولا يستطيع المرء أن يحدّد حدود بلديّة من أخرى نظرا لتداخلها مع بعضها البعض. يبدو أنّ التقسيم من أجل تحسين الخدمات سائد في المدن الأمريكيّة الكبرى، ففي هيوستن في ولاية تكساس فإنّ الحيّ الرّاقي الذي يسكنه ابن العمّ محمّد موسى السلحوت لا يزيد عدد بيوته عن بضع مئات، وله بلديّة خاصّة.

       وتتخلّل المدينة شبكة طرق هائلة، وهذا موجود أيضا في أرجاء أمريكا كافّة، وهي شوارع واسعة ذات اتّجاهين، كما أنّ هناك شوارع على الجسور المكوّنة من عدّة طبقات، ومنها الطّرق السّريعة High way، كما أنّ هناك جسورا تسير عليها القطارات، وتخدم المدينة شبكة مواصلات هائلة، فعدا عن السّيّارات الخاصّة هناك الباصات، قطارات الرّكّاب، والميترو التّحت أرضي. والشّوارع لها صيانات دائمة، حتّى أنّ المرء يشاهد عمليّات حتّ الشّوارع وتعبيدها مع أنّه لا عطب فيها. إضافة إلى مطار “أوهير” الدّولي الذي يعتبر ثاني أكبر مطار ازدحاما في العالم، وهناك مطار “ميد واي” الدّاخليّ، ومنه انطلقت الطّائرة التي حملت القنبلة النّوويّة التي ألقيت عى مدينة هيروشيما اليابانيّة عام 1945 في الحرب الكونيّة الثّانية.

          والأحياء منظّمة بشكل لافت، فلا وجود للأبنية العشوائيّة، وهناك مواقف للسّيارات أمام البيوت السّكنيّة، ومواقف عامّة في المناطق التّجاريّة. وهناك الحدائق الخّاصّة أمام البيوت، والحدائق العامّة الواسعة والتي تزيد مساحة الواحدة منها عن المئة دونم، تتوسّطها بحيرات صغيرة، تعيش فيها الأسماك، وتعشّش على جنباتها الأرانب وطيور البطّ والإوزّ.  وتوجد غابات صغيرة من بقايا الغابات القديمة التي كانت تكسو القارّة الأمريكيّة، وفي هذه الغابات يعيش عدد من الغزلان التي لا ينغّص عيشها أحد، وفيها ملاعب للكرة الأمريكيّة وللغولف، وهناك حديقة”الألفيّة” التي توجد فيها نافورة “التّاج” العجيبة.

      في مدينة شيكاغو عدد من المتاحف، ومنها متحف شيكاغو الموجود تحت الأرض على شكل أسواق، ويحتاج المرء ساعات طويلة ليمرّ في جنباته دون توقّف. كما يوجد متحف للكائنات البحريّة بأشكالها وأنواعها، وهناك متحف للأطفال، وفي شيكاغو عدّة مسارح منها مسرح شكسبير الذي يقدّم ليليّا مسرحيّات لشكسبير، ومن يريد أن يحضر مسرحيّة فيه عليه أن يحجز قبل عدّة شهور. وهناك حديقة الثّقافة الواسعة جدّا، وفيها مسرح مكشوف، تقدّم فيها مسرحيّات وحفلات غنائيّة مجّانيّة. وهناك عدد من الجامعات المتميّزة كجامعة شيكاغو، وجامعة نورث ويستيرن.

     وفي “النّورث غاليري، والنّير نورث سايد” ثاني أكبر مجموعة للمعارض واللوحات الفنّيّة بعد نيويورك.

وفي المدينة حديقة حيوان لنكولن، والمرء يحتاج إلى يوم كامل ليزور محتوياتها، فهي تضع الحيوانات في أماكن شبيهة بالبيئة التي تعيش بها في الطّبيعة.

       والنّظافة لافتة أيضا، فالشّوارع نظيفة، والحدائق نظيفة أيضا، ومن لا يهتمّ بجزّ الأعشاب حول بيته فإنّه يتعرض لغرامات عالية.

       ومن الأمور اللافتة أنّ خطوط الماء والكهرباء والهاتف والغاز في غالبيتها العظمى تحت أرضيّة، والغاز يصل إلى البيوت بمواسير كشبكات المياه، وهناك حارات لا تستعمل الغاز مطلقا، بل تعتمد على التّيّار الكهربائيّ بشكل كلّيّ. 

9 تموز 2015

  التّعليم في شيكاغو

             تغطي المدارس الحكوميّة كافّة مناطق الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وشيكاغو ليست استثناء بالطّبع. والتّعليم ليس مركزيّا في أمريكا، لذا فإنّ البلاد مقسّمة إلى “مديريّات” تعليميّة.

كلّ مديريّة لها منهاجها الخاصّ بها، والذي يضعه خبراء تابعون لها. وتتركّز المناهج الأمريكيّة على الموادّ العلميّة التي تناسب عمر الطالب، ولا تعتمد على ضخامة الكتب وكثرة عدد صفحاتها، سبق وأن رافقت أخي داود في بداية العام الدّراسيّ المنصرم 2014-2015 إلى المدرسة لشراء الكتب المقرّرة لابنه علاء الطّالب في الصّف الثّاني عشر، وكانت ستّة كتب منها اثنان يصل عدد صفحاتهما إلى ما يقارب الثلاثماية صفحة، وما تبقى أقلّ من ماية وخمسين صفحة.

ومرحلة التّعليم الالزاميّ تشمل حتّى نهاية الصّف الثّاني عشر.

أبنية المدارس

           شاهدت في شيكاغو عشرات المدارس الرّسميّة، دخلت اثنتين منها فقط، واحدة ابتدائيّة والثّانية ثانويّة. وجميعها مدارس مختلطة. يلاحظ أنّ المدارس مقسّمّة عمريّا، فمثلا هناك مدرسة للصّفوف الابتدائيّة الثّلاثة الأولى، وهناك مدرسة من الرّابع حتّى السّادس وهكذا.

      الأبنية المدرسيّة صمّمت لتخدم الطلّاب، فالنّوافذ تحتلّ واجهتين من البناء، وهذا يعني أنّ هناك نوافذ على طول واجهتين من كلّ صفّ دراسيّ، وكلّ صفّ مساحته لا تقل عن 36 مترا مربّعا، عدد طلبة الصّفوف لا يزيد عن سبعة وعشرين. والأبنيّة مكيّفة كهربائيّا، للتّبريد في الصّيف والتّدفئة في الشّتاء. وهناك الملاعب المدرسيّة الواسعة والتي تفي باحتياجات الطّلاب.

      في المدارس الثّانوية شاهدت مواقف للسّيّارات تتّسع لمئات السّيّارات. وللمدارس الابتدائيّة باصات خاصّة تجوب المنطقة؛ لنقل الطّلاب من بيوتهم إلى المدرسة صباحا، وتعيدهم إليها عند انتهاء الدّوام.

 

وجبات الطّعام

             تقدّم المدارس الابتدائيّة وجبتي طعام لطلبتها “فطور وغداء” في حين أنّ الثّانويّة تقدّم وجبة غداء فقط، وهي مجّانيّة في الأحياء الفقيرة ومدفوعة بمبلغ رمزيّ في الأحياء الثّريّة.

       حسب القانون الأمريكيّ فإن ضريبة السّكن على الأبنية تجمعها البلديّات لتنفقها على التّعليم في حدودها البلديّة، من هنا فان الطّبقيّة تبدو واضحة، ففي المناطق الثّريّة ترتفع ضريبة السّكن، وينعكس ذلك على أبنية المدارس فيها، حيث يشاهد المرء فخامة الأبنية واتّساع الملاعب والحدائق المدرسيّة.

      يلاحظ أنّ التّحصيل العلميّ في مدارس الأحياء الرّاقية أعلى منه في الأحياء الفقيرة، ولذلك أسبابه ومنها مستوى التّعليم والمداخيل لأولياء الأمور، وطبيعة انعكاسه على تربية الأبناء.

 

أنواع المدارس

         بجانب المدارس الرّسميّة هناك المدارس الخاصّة وهي أنواع أيضا ومنها:

المدارس الكاثوليكيّة: وهي مدارس غير مختلطة، وتقوم على تربية الطّالبات والطّلّاب على القيم الكاثوليكيّة المحافظة. وهي تتقاضى رسوما مرتفعة.

المدارس الاسلاميّة:

    هي مدارس تعنى بتربية طالباتها وطلّابها على القيم الاسلاميّة، وتدرّسهم مبادئ الدّين الاسلاميّ، واللغة العربيّة، ومعلّماتها وطالباتها يرتدين الزّيّ الشّرعيّ، ومن هذه المدارس مدرسة جمعيّة الأقصى في حيّ “بردج فيو” بجانب مسجد “جمعيّة الأقصى” المكوّن من طابقين واحد للرّجال والثّاني للنّساء، وكلّ طابق فيه قاعتان واسعتان للصّلاة، وتقام فيه صلاة الجمعة مرّتين لكثرة المصلّين، فالقانون الأمريكيّ لا يسمح بالصّلاة في العراء، يضاف إلى ذلك برودة الطّقس شتاء، وحرارة الجّوّ المرتفعة صيفا، والتي قد يصاحبها أمطار غزيرة دافئة، وتتقاضى هذه المدرسة 600 دولار على الطّالب شهريّا.

المدارس اليهوديّة: هناك مدارس دينيّة يهوديّة لم أشاهدها، لكنّني سمعت عنها.

مدارس خاصّة أخرى: ومنها مدرسة لمختلف المراحل الدّراسيّة موجودة في حرم جامعة شيكاغو التي تعتبر واحدة من أشهر عشر جامعات في العالم، ورسوم هذه المدرسة مرتفعة جدّا وتصل إلى خمسين ألف دولار في السّنة، ويلتحق بها الطّلبة في سنّ الثّالثة.

مدارس مونتسيوري

           هي مدارس خاصّة تحمل اسم رائدتها وصاحبة فكرتها الدّكتورة ماريّا مونتسيوري التي أسّستها عام 1907، وهي تقوم على تنمية الطّفل لما يرغب أن يكونه في المستقبل، وتعتمد على التّطبيق العمليّ والتّعليم بالتّجربة والاقناع، والابتعاد عن التّلقين، ويتحدّثون في أمريكا بأنّ كلّ من أبدعوا في العلوم الحديثة والتّكنولوجيا هم خرّيجو هذه المدارس. وهذه المدارس ابتدائيّة” حتّى الصّفّ الابتدائيّ السّادس” وغالبيّة طلابها يغادرونها إلى مدارس متقدّمة بعد الثّالث الابتدائيّ.

تنمية المواهب

            تعتني المدارس الأمريكيّة بالمواهب منذ الصّغر، وهناك مختصّون في مكاتب التّربية والتّعليم لمختلف المواهب، يجري تصنيف الطّلبة المتفوّقين في مختلف المدارس من الصّف الابتدائيّ الثّالث، حيث يجري نقل المتفوّقين الموهوبين إلى مدارس مختصّة، مثل مدارس الرّياضيّات والعلوم المختلفة، الفنون والآداب وغيرها. ويرافق الطّالب الموهوب مرافقة بسيّارة خاصّة من بيته حتى المدرسة المختصّة وبالعكس. لذا فلا غرابة ولا داعي للتّساؤل عن أسباب وجود العلماء والمبدعين في مختلف المواضيع.

الأنظمة المدرسيّة

         العقاب الجسديّ والنّفسيّ للطّلاب ممنوع تماما، لكن هناك قوانين صارمة ورادعة لحفظ النّظام المدرسيّ، وتطلع ادارات المدارس أولياء الأمور على أيّ مخالفة يرتكبها ابنهم مهما كانت بسيطة، كعدم قيامه بالواجبات البيتيّة المطلوبة منه. واذا ما ارتكب الطّالب مخالفة كاعتدائه جسديّا على زميل له، أو إساءته لاحدى معلّماته أو معلّميه، فإنّه تجري له “محاكمة” يشارك فيها إدارة المدرسة، مندوب عن لجنة أولياء الأمور، مندوب عن مكتب التّربية والتّعليم، ومندوب عن البلديّة وآخرين، ويوكل بعضّ أولياء الأمور محاميا للدّفاع عن ابنهم كما جرى مع علاء ابن أخي داود الذي تشاجر بصحبة أربعة طلاب عرب مع طالب من أصول تركيّة خارج المدرسة، وفي حيّهم السّكنيّ. كان في “المحكمة” اثنا عشر شخصا يمثّل كلّ منهم مؤسّسة لها علاقة بالتّعليم، وكان القرار بنقل الطّلاب العرب إلى مدرسة خارج نطاق مديريّة التربية والتّعليم التي تقع فيها المدرسة لمدّة عامين، واذا لم ينقله وليّ أمره فإنّه ينقل إلى مدرسة “للمارينز” في ولاية أخرى، ولا يسمح لذوية بزيارته إلّا مرّة في الشّهر، وهناك تطبّق عليه بعض تدريبات المارينز، كالرّكض ستّة كيلومترات في الخامسة صباحا، وتناول الطّعام مع المارينز في دقائق معدودة دون الاعتراض على نوعيّة الطّعام. ولا يجوز للوالدين الاعتراض أو اخراج ابنهم من المدرسة؛ لأنّه في مرحلة التّعليم الالزاميّ، وقد نقل أخي ابنه إلى مدرسة تبعد عن بيته ستين كيلومتر.

الحوافز التّعليميّة

          للطّلبة المتفوّقين حوافز تدفعهم إلى مزيد من التّفوّق، فمثلا هناء ابنة شقيقي داود الطّالبة في الصّف السّابع في هذا العم الدّراسيّ”2014-2015″ متفوّقة، وقد حصلت على شهادة “مرتبة شرف” في كلّ مادّة. أيّ على عدّة شهادات شرف، ومن الحوافز وضع علامة للطّالب المتفوّق تتعدّى العلامة القصوى، كأن يوضع له ماية وعشرة علامات من مئة. كما يجري الاحتفاء به بحضور والديه وأولياء الأمور الآخرين.

أساليب التّدريس

         التّدريس في المرحلة الثّانوية يعتمد السّاعات المعتمدة كما الجامعات، وهناك وحدات تعليميّة مطلوبة من الطالب، ولا غرابة أن تجد طالبا في الصّف التّاسع مثلا يدرس الرّياضيات مع طلبة في الصّف الثّاني عشر، لأنّه استكمل المطلوب منه في المراحل السّابقة.

        هناك ارتباط وتنسيق بين كلّ مدرسة ثانويّة مع عدّة جامعات في منطقتها، ويأتي مندوبون عن هذه الجامعات؛ ليشرحوا للطّلاب عن جامعاتهم، وليشجّعوهم على الالتحاق بها. ومن هنا فإنّ بعض الطّلبة المتفوّقين في المرحلة الثّانويّة قد ينهون ما يصل إلى خمس عشرة ساعة جامعيّة وهم في المرحلة الثّانويّة.

12 تمّوز 2015

 

شلالات نياجرا والطبيعة السّاحرة

       يوم السبت 18 تموز 2015 انطلقت أنا وزوجتي مع ابننا الحبيب قيس وزوجته مروة جنّح وطفلتهما السّاحرة لينا ابنة الشّهرين من شيكاغو؛ لزيارة شلالات نياجرا في ولاية نيويورك عند حدود كندا والتي تبعد عنّا 1000كيلو متر، اجتهد قيس بأن نزور في طريقنا مدينة ديترويت في ولاية متشيجن، حيث يوجد أكبر جالية عربيّة في أمريكا، وهذا يطيل المسافة علينا بأكثر من مائتي ميل. وفي ديترويت شاهدنا “مولات” وأسواقا تجاريّة تعلوها لافتات باللغتين العربيّة والانجليزيّة. بعد أن تناولنا طعام غدائنا في مطعم “المسجوف” الذي يملكه أخوة عراقيّون، لم يكن المسجوف مسجوفا، ولا علاقة له بالمسجوف العراقيّ الفريد من نوعه، والمعروف بجودته ومذاقه الخاصّ، واصلنا طريقنا إلى شلالات نياجرا. ومن ديترويت كان هناك جسر عبور إلى كندا، يختصر الطّريق إلى نصف المسافة تقريبا، لكنّنا لا نستطيع عبوره؛ لأنّنا لا نملك الجنسيّة الأمريكيّة، ولا نملك فيزا عبور لكندا أيضا، لكنّ اللافت أنّ الشّارع والأبنية رصيف منه يتبع كندا والآخر يتبع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وهذا ما شاهدناه لاحقا في أكثر من موقع في طريقنا إلى الشّلالات، حيث يشاهد المرء بسهولة العلمين الأمريكيّ والكنديّ في منتصف الجسر. الأمريكيّون والكنديّون يدخل كلّ منهم البلد الآخر بسهولة متناهية ودون تأخير. وبالتّالي لم يكن أمامنا خيار سوى الالتفاف حول بحيرة” إري” من الجانب الأمريكيّ للوصول إلى الشّلالات.

بحيرة إرِي Erie

    وهي بحيرة مشتركة بين أمريكا وكندا، وتبلغ مساحتها 25 ألف كلم مربّع. ومياها عذبة.

نهر نياجرا:

       ينبع من بحيرة “إري” وطوله 188 ميلا، يبلغ أقصى عرض له حوالي 2600 متر. وأقلّ عرض له هو 430 مترا، وقبل الشّلالات ينقسم إلى قسمين، قسم يتّجه إلى الأراضي الكنديّة، وقسم يبقى في الأراضي الأمريكيّة، لتتشكّل جزيرة أمريكيّة بين الرّافدين.

خمس ولايات:

      المسافر برّا من شيكاغو في ولاية الينوي، يمرّ بخمس ولايات أخرى هي: انديانا، متشيجن، أوهايو، بنسلفانيا ونيويورك. وبامكان المرء أن يعبرها عبر شارع رقم 90 السّريع، وهذا الشّارع يخترق أمريكا من شرقها إلى غربها، لينتهي في ولاية واشنطن في غرب الولايات المتّحدة، ومن الحقائق التي لا يعرفها كثيرون أنّ مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتّحدة الأمريكيّة لا تقع في ولاية واشنطن، بل هي مدينة مستقلّة بذاتها، لذا لا يوجد لها ممثّلون في الكونغرس لأنّها ليست ولاية، ولا تتبع ولاية أيضا.

الطّريق:

       الطّريق السّريع يتكوّن من اتّجاهين، في غالبيّتها، كلّ اتّجاه يتكّون من أربع مسارات، وبين الاتّجاهين جزيرة يتفاوت عرضها بين أربعة أمتار وحتى ما يزيد على المئة متر، وفيها تجويف تسير به مياه الأمطار؛ لتصبّ في إحدى الأنهار أو البحيرات، وهناك عدّة عشرات من الكيلومترات يفصل فيها قاطع اسمنتيّ بين الاتّجاهين لا يزيد ارتفاعه على السّبعين سنتمتر.

               لكّن الأشجار الضّخمة تحيط بجانبي الطّريق، لتشكّل ما يشبه السّور،  وبعضها هو امتداد لغابات، والطّريق كلّها خضراء، لا يشاهد المرء العابر لها سوى الأشجار الحرجيّة والمثمرة، الأبنية والشّوارع، المياه والأعشاب التي يجري جزّها وتهذيبها، خصوصا في الجزر بين اتّجاهي الشّارع. وفي شرق ولاية نيويورك حيث الشّلالات يمرّ المرء بالحقول الواسعة والممتدّة المزروعة بالعنب، وكلّها “معرّشة” كما يمر بلافتات تشير إلى مصانع العصير أو النّبيذ المصنّع من العنب. وأيضا يمرّ من أطراف بعض القرى والمدن الصّغيرة التي يعتمد سكّانها على الزّراعة.

       يلاحظ المرء أنّ المدن الأمريكيّة الضّخمة معدودة على الأصابع كنيويورك، واشنطن، شيكاغو، لوس أجلوس، ميامي وهيوستن.

     هناك أماكن استراحة على الطّرق تبعد الواحدة منها عن الأخرى حوالي ثمانين كيلومتر. وفي هذه المحطات مطاعم ومحلات تجاريّة ومحطات وقود، وقد لفت انتباهي وجود محطّات استراحة على الجزر الفاصلة بين اتّجاهي الشّارع، حيث يوجد جسر لمرور البشر عليه من فوق الشّارع من كلا الاتّجاهين. كما يلاحظ وجود فنادق ضخمة ومعروفة عالميّا على الطّريق، مثل فنادق هيلتون وهولي دي إن وغيرها، ويزداد عدد هذه الفنادق كلّما اقترب المرء من الشّلالات.

شلالات نياجرا Niagra Falls:

     عندما يقف المرء أمام شلّالات نياجرا يسحره جمال الطّبيعة، ولا أعتقد وجود مكان طبيعيّ آخر يفوق جمال هذه الشّلالات، فضفّة النّهر الشّماليّة تقع في الجانب الكنديّ، والضّفّة الجنوبيّة في الجانب الأمريكيّ، وفي كلا الجانبين تمّ استغلال المنطقة بطريقة رائعة؛ لتكون منطقة جذب سياحيّ، ولهذا فإنّ حوالي 26 مليون شخص يرتادون هذه الشّلالات سنويّا، أي بمعدّل 70 ألف شخص يوميّا، ففي الجانب الأمريكيّ جرى  تقسيم المنطقة المحاذية والمطلّة على الشّلالات إلى طرقات وحدائق تظلّلها الأشجار، وفيها مطاعم ومحلّات سياحيّة وحمّامات عامّة، ويحيط بها من جهة النّهر حاجز معدنيّ قويّ ارتفاعه حوالي متر وعشرين سنتمتر؛ ليحمي النّاظرين من السّقوط في النّهر، وهناك باص كهربائيّ يقلّ الزّائرين من طرف الجانب الأمريكيَ المحاذي للشّلّالات، إلى المنطقة السّياحيّة عند الشّلال الكبير الواقع بين حدود أمريكا وكندا.

الشّلالات:

         يبلغ ارتفاع الشّلالات 54 مترا في الجانب الكنديّ و56 مترا في الجانب الأمريكيّ، وتبلغ كمّيّة المياه المتساقطة في الشّلالات 670 ألف جالون في الثّانية.

       الشّلالات عبارة عن شلّالين عظيمين، واحد طوله حوالي 430 مترا يقع في الجانب الأمريكيّ، وفي طرفه الشّمالي مغارة هائلة، يتمّ النّزول إليها بدرج؛ ليقف المرء بين جزء من مياه الشّلالات وبين الانجراف الصّخريّ، تتساقط المياه من ارتفاع 56 مترا، على صخور سوداء اللّون كما بقيّة الجرف النّهريّ، محدثة خريرا هائلا، وباعثة رياحا محمّلة برذاذ المياه إلى مئات الأمتار. لتنقسم إلى جداول عظيمة بين الصّخور البارزة، قبل أن تختلط بمياه النّهر القادمة من الشّلال الكبير، الذي يبعد عنها بضعة مئات من الأمتار. أمّا الشّلال الكبير الواقع بين حدود البلدين ويسمّونه حذوة الفرس ” Horse shoe ” بناء على شكله، ويبلغ طوله حوالي 760 مترا.

         من طرف الجانب الأمريكيّ هناك جسر يوصل إلى مصعد ينزل بالزّائرين 56 مترا إلى ضفّة مياه النّهر، حيث المنطقة مرتّبة بأدراج للوصول إلى السّفينة التي تقلّ الزّائرين لمواجهة الشّلالات بشكل مباشر، ومن لا يستقلّ السّفينة يستحيل عليه رؤية الشّلالات كاملة، بل يرى جزءا منها فقط، وحسب الزّاوية التي يقف فيها وينظر منها.

     قبل الصّعود إلى السّفينة يرتدي الزّائر ثوبا أزرق الّلون من البلاستيك الخفيف ليقيه من رذاذ الماء المتطاير من سقوط الشّلالات، والذي يشكل ما يشبه جبلا من الدّخان، في حين يرتدي الزّائرون في الجانب الكنديّ ثوبا بلون أحمر، ويصعدون في سفينة أخرى تبحر من الجهة المقابلة للسّفينة الأمريكيّة. وكلّما اقتربت السّفينة من الشّلالات كلّما ازداد رذاذ المياه، وازدادت قوّة الرّياح الباردة المنبعثة من الشّلالات، ويستحيل على المرء رؤية الشّلالات كاملة ما لم يواجهها من السّفينة. ويلاحظ وجود بناء قديم مكوّن من عدّة غرف متجاورة تحت الشّلالات في الجانب الكنديّ، كانت تستعمل لوضع أجهزة لتوليد الطّاقة الكهربائيّة في مرحلة سابقة. تمخر السّفينة عباب مياه النّهر الذي يزيد عرضه على الأربعمائة متر؛ لتصل على مسافة ليست بعيدة عن تساقط مياه شلّال “حذوة الفرس” وعلى الجانب الأمريكيّ حيث يوجد مسافة صخريّة بين الانجراف الصّخريّ ومياه النّهر هناك أعداد هائلة من طائر النّورس بين الصّخور والأعشاب والأشجار…لا تستغرق رحلة السّفينة أكثر من ربع ساعة، لتعود مرّة أخرى إلى مكان انطلاقها، تنزل حمولتها وتحمل حمولة أخرى ودواليك.

    وهناك مهبط لطائرات هليوكبتر صغيرة تتّسع الواحدة منها لأربعة أشخاص، تقلّ من يريد جولة جوّية فوق الشّلالات.

  بُهِت الذي آمن:

       من الطّريف أنّ مسلما باكستانيّا أو هنديّا كما تشي بذلك ملابسه، عندما رأى الشّلالات ذهل، وأخذ يهتف بصوت مرتفع “الله أكبر” ويبدو أنّ صاحبنا رأى في الشّلالات معجزة إلهيّة، ولا يعلم أنّ العلم والمال في بلاد “الكفّار” قد جعلتا من هذه المنطقة ما يسرّ النّاظرين، ولو كانت في بلدان “المؤمنين” لجرى اغلاق المنطقة ومنع الدّخول إليها خوفا على حياة من يمرّ قربها، أو لأنّها مسكونة بالجنّ والشّياطين، كما تفرز عقليّة “فوائد شرب بول البعير”.

        وتحت شجرة عملاقة وغير مثمرة كانت امرأة عجوز من جنوب شرق آسيا، تفرد فِراشها، تلعب تمارين اليوغا…مرّ بها سنجاب، أخذ يقفز أمامها، فتركت طقوس اليوغا، وشرعت تتحدّث مع السّنجاب وتصوّره سعيدة ضاحكة.

     في السّاعة العاشرة ليلا انطلقت من الجانب الكنديّ ألعاب ناريّة أضاءت سماء الشّلالات، وأضفت عليها جمالا على جمال.

مدينة شلالات نياجرا

     مدينة صغيرة، تعيش على السّياحة، تنتشر فيها الفنادق والمطاعم، ولا شيء لافت فيها.

الجانب الكنديّ:

         تقف على الجانب الكنديّ الذي يزيد ارتفاعه عن مثيله في الجانب الأمريكيّ عدّة أبراج تشغلها فنادق معروفة، وكما يبدو من اللافتات الضّخمة على تلك الأبراج هناك “كازينو”أيضا، كما يوجد برج يرتفع عدّة مئات من الأمتار، وفي قمّته ثلاثة طوابق دائريّة فيها مطعم يدور مكانه، وعلى واجهته الخارجيّة  مصعد كهربائيّ مكشوف يرى الصّاعد والنّازل فيه المكان.

21 تمّوز 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى