بغداد في عُمان!

لميس الكعبي | إعلامية عراقية _ مسقط

قصة عُمانية تكاد تكون قصة خفية عفا عليها الزمن، «بغداد في عُمان» عنوان مثير يصحبه فضول كبير من قِبل أي قاريء وكيف لا إن كانت بغداد عاصمة العراق في عُمان رغم أن بغداد في العراق، لكن الحكاية تبدأ من هنا من مسقط العامرة من خلال حوار شيق وجميل دار بيني وبين الأخ هلال بن محمد بن أحمد الهاشمي رجل عماني فاضل أطلق اسم «بغداد» على ابنته الكبيرة، وتدور الأحداث حول وصية والده محمد بن أحمد الهاشمي «رحمه الله»، روى لنا أصل الحكاية وكيف اختار اسم بغداد لتسمية ابنته الكبرى والدافع من تسميتها بهذا الاسم، قال لي: في أحد الأيام عندما حكت والدته لهم حكاية إصرار زوجها والذي هو والده على تسمية أول حفيدة له باسم «بغداد» يحكى أن محمد بن أحمد الهاشمي هاجر من عُمان وتحديداً من ولاية نزوى في فترة أربعينيات القرن الفائت إلى مدينة دبي، ومن ثم إلى البحرين عن طريق السفر بالسفن التجارية ليصل ويستقر أخيراً في مدينة البصرة جنوب العراق، حيث عمل هناك وتزوج من امرأة بصرية كانت تاجرة معروفة في ذلك الوقت، يقال إنها عشقته ومن لايعشق ابن عُمان الطيب والمهذب؟ وبالفعل تزوجت منه فيما بعد وتغير حاله إلى الأفضل وانتعشت تجارته ولكن القدر أحياناً يكون أقوى من رغبة الإنسان وشاء لذلك العشق والزواج أن ينتهي بالانفصال، حينها قرر محمد الهاشمي أن ينتقل إلى العاصمة «بغداد» وهناك تعرّف على امرأة عراقية أخرى من بغداد وتزوجها واستقر هناك سنينا طويلة كانت مابين ١٥-٢٠ عاماً يقال إلى الآن لاتعرف العائلة إذا كان قد رزق بأبناء من زوجته العراقية أم لا، لكن محمد الهاشمي كان رجلا كتوما جداً لايحب الحديث عن ماضيه وأسراره لأسباب قد نجهلها نحن، والله العالم بما في القلوب وبعد سنين حسب ماقيل على لسان ولده هلال الهاشمي قد تعرضت تجارته لخسائر فادحة جداً اضطره إلى تغير المسار، إلا أنه رغم الخسارة عشق «بغداد» وتأثر بها لما تزخر به من المعالم التاريخية والحضارية والمساجد الأسلامية القديمة، والقصور الأثرية، والمتحف الوطني الذي يضم أهم الآثار العربية البابلية، فعاش سنينا من عمره بين أزقتها وطرقها الجميلة وبين ناسها وقد احبها كثيراً، وفي ذلك الوقت كان يرى الكثيرين من المملكة الأردنية الهاشمية ومن فلسطين يطلقون اسم «بغداد» على بناتهم، علماً أن معنى الاسم كبير وهو «هبة الله من السماء إلى الأرض»، وبعد أن خسر تجارته في نهاية حقبة الستينيات قبل حكم جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد المعظم (طيّب الله ثراه) كان أغلب العمانيين مهاجرين في ذلك الوقت في بلدان الخليج والعراق ومصر وسوريا ولبنان هناك من كان يطلب العلم وهناك من كان يعمل في التجارة، بعدها قرر العودة إلى الحجاز السعودية ومن ثم ذهب إلى الكويت وبعدها توجّه إلى دولة قطر وهناك تعرّف على زوجته العمانية التي كانت تعيش مع عائلتها المتكوّنة من جدها ووالدها وأخوتها في ذلك الحين والتي أصبحت فيما بعد أمّ أولاده، وبعد ذلك قرر العودة إلى وطنه عُمان والاستقرار بشكل دائم مع أسرته في مسقط رغم أنه تزوج ورزق بأبناء إلا أنه لم ينس عشقه لـ «بغداد» عندها طلب من أولاده أن يكون اسم أول حفيدة له في العائلة «بغداد» تيمناً واحتراماً لذكرى جميلة لم يستطع نسيانها لما لها إثر ووقع كبير في حياته، لكن سبحان الله شاءت الأقدار أن يرزق ولده هلال بن محمد بن أحمد الهاشمي بفتاة في عام ٢٠٠٠م وعندها قرر هلال ان ينفذ وصية والده في ان يطلق اسم (بغداد) على ابنته الكبرى، على الرغم من أنه قد واجه في بداية الأمر صعوبات في اختيار هذا الاسم لما كان يمر به العراق من ظروف استثنائية وغير مستقرة في ذلك الحين، إلا أن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم «طيّب الله ثراه» في ذلك الحين أقر معجم أسماء العرب وكان اسم بغداد من ضمن تلك الأسماء الموجودة فيه وقد تأكدوا بالفعل من الجهات المسؤولة أن اسم بغداد موجود في ذلك المعجم ووقتها كان والدها هلال بن محمد الهاشمي مصمما على تلبية رغبة والده آنذاك في تسمية حفيدته باسم «بغداد» وبالفعل لبى هلال رغبة والده، رغم أن بغداد عانت في بداية التحاقها بالمدرسة من هذا الاسم الذي كان لايفهمه أغلب الصغار وكانت تعود لأبيها وتبكي وتقول له: لماذا أطلقت عليّ هذا الاسم الذي يستغربه الآخرون؟ إلا أن والدها كان يقول لها: سوف يأتي اليوم الذي تفتخرين باسمك أمام الجميع عندما تكبرين. وبالفعل مرت السنون وسرعان ماكبرت بغداد وأصبحت امرأة ناضجة وكبرت تحلامها معها والتحقت بالجامعة وأصبح اسمها مميز مابين زميلاتها وأصبحت تشعر بالقوة والهيبة عندما ينادونها «بغداد» وأصبحت معروفة بهذا الاسم الذي كان له أثر إيجابي في حياتها ومعنى عظيم لكل من التقت به حيث إنها كانت تشعر بهيبة وقوة تكمن في داخلها وبالفعل هذا الاسم غير حياتها كلياً وأعطاها قوة شخصية لتواجه الحياة وتتطلع إلى مستقبل يليق بها.. وهنا وصلت معكم أيها القراء إلى نهاية حكايتي العمانية البغدادية الجميلة والآن «بغداد في عُمان» تكمل مشوارها نحو مستقبل زاهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى