يا صبر أيوب

أحمد القيسي / العراق

يا صَـــْبرَ أيّوب أنّى يُورقُ الشَّظَــفُ؟
كـم يشتهي المـوتُ أقمـاراً فيَغتـَـرفُ

يا صبــرَ أيّـوب – بلــوانا بـلا أمــلٍ
هـل يَتْعب المـوتُ أو عنّـا سينصرفُ

خَمّــتْ من الدم ِ وديانٌ – قــوارعها
قـل لي بربكَ أنّى يرتـوي الشّرَفُ؟

هــانتْ على الكـون أرواحٌ مبعثــرةٌ
تَهوي كما الشّهبِ في َصمتٍ وتَرتجـفُ

فاللهُ أكبـرُ كــم نُضْـــرى على وطـــنٍ
وتستشيــطُ دُجـى أرحامها النُّطَّـفُ

يا صبــرَ أيوبَ لا ترحـلْ و تتـــركنا
نهـبَ الضياعِ رؤوساً زَمََّهـــا الخَــرَفُ

قــد كنتَ فيــنا فنــاراً فوق رابيــة
و العابرون ضباعاً زَمَّهـــا التـًّلَــفُ

بِمَنْ نَلُــوذُ وهــذي الأرضُ فاغــرةٌ
في كل يـــومٍ بهــا شمـسٌ ستنكسفُ

يا سيد الحـرف هل فجـرٌ سيجمعنـا
و تستفيق عنـا أعماقنــا الشُّــرَفُ

مجــدٌ سيبكيك يُتمـاً – كنـتَ كافلــهُ
فهـل سيمخـضُ عن بلوائنا الخلَـفُ

فارقــدْ سلاماً سُكـونَاً بدرَ رائعــة

زهْـوَ النياسين مـلءَ الكونِ ينعطـفُ

أبليتَ عمــرَكَ ضَــوءاً في حنادسها
فهــل يُقاس بأبهـى تمـرِها الحَشَفُ

لكــن دنيـاك دالـــتْ سكْــرَ عابثــةٍ
و حامَقَ التِّـينَ في غوغـائها ألعَلَـفُ

للأرضِ درّك صـاحِ و هي موجفـــةٌ
ضـمَّ العظــامِ ومنها يقطــرُ الكَلَــفُ

نفسي أضمّـكَ عهـداً تُــدَّ مــــن زمــنٍ
نبلى خفـافاً و يمضي الشامـخُ الأنفُ

طوبى لنجــديك شعــراً رائعــاً وطنــاً
فقـد جزلتَ ويبقى بعـدك الأسـفُ

مرحى أبا الحرف و الدنيـا بها شغـفُ
قد كنـتَ شمساً بأرضٍ سوف تعتـرفُ

يا سيَّد الحــرف يا مـن حرفـه لهَــفُ
يشتـاقكَ الطـينُ والشطـآنُ والسَّعَــفُ

يشتاقُك النخـــل مهموسَاً على وترٍ

بمـا يلــذُّ و ينـدى العـاشقُ الـذِّنِفُ

فكــم همستَ بأُذن الــريحِ وشوشـــةً
مغنـاجَ أرخى عليهـا الناعسُ التَّـرِفُ

ما زلــتَ تقطــرُ عشـقاً نزفَ أوردةٍ
صــبَّ الإيـاةِ أُجـــاجَ البحـر تنــذرفُ

صبَّ الغـُـواة مداداً في دفاتـرهم
فصَـبَّ وجـدَك مـن أفلاكــه النــَّـزفُ

يا سيد الحـرف يا من حرفـه نَـزَفُ
نبــع الضميــر وينعــاً باعُـهُ الشَــرَفُ

نسجْتَ روحَـكَ والأضلاعَ خارطـةً
عُـري المـزارِ يحـاكي واهَــها الصَّلــفُ

يا صبرَ أيوبَ لا ترحلْ على وَهَـنٍ
….داجـي المحطّـاتِ في تصهالهـا القَـرَفُ

هناك روحي بشاطى الكرخِ قد نبتتْ
دفــلاء شوقٍ بهـا الآصـالُ تختلـفُ

أوقدتُ عمري شموع الخَضْرِ من دَنف
حنّـاءَ ياسٍ لصّوْبِ الكَـْرخِِ تنشغفُ

أوراقُ روحـيَ ملح الأرضِ نشوتها
مسلّةُ الحرف عنهـا الــدّودُ ينصــرفُ

فيها العراق إذا ما احتـدَّ من خَطَلٍ
تشآى الى النجـمِ من مهماههـا النُطَـفُ

محّصتَ قرنين أقعــتْ دونها أمــم
عُمق المتاهات حيث استافها الكلفُ

من ذا يباهيك حرفـاً صاغه النـزفُ
دلّى لـه المجـدُ و الأضـواءُ و التُحفُ

لمّـا صَبَـبْتَ دنـانَ السَّحـر كركـرةً
عشـقَ العنـاٌق تراخـى كرمَهـا الأَنِـفُ

يا سيد الحرفِ يا من حرفهُ حِمَــمٌ
ميّــأرُ بلـوى بـه الأفـــلاكُ تعتصـفُ

بلوى ضميرٍ يصبُّ النـار راعفــةً
ما يسرق الضـوءَ من أقمارها الصَّـدَفُ

يا سارقَ النـارِ من كـانونِ مَتْلَفـةٍ
يُرهّـــجُ الخبـزَ في إعراقهــا الوهــفُ

سلَلْتَ حرفكَ من أســفارِ زخرفهــا
فـارَّورَقَ الشعـرُ و الآفــاقُ والسّــدفُ

مـاس المـداد ودادا شَجو ضامرة
كمــا يرود وضيــفَ النــاقة الــوزفُ

تُرتّــــلُ البــوَّ تحنـــاناً أضالعهـــــا
خـَـطّ الشحوبَ ضنى تحنانهـا الأسَفُ

شُنّاؤكَ الصُّفـرُ قد عاجوا على نُصُـبٍ
وبايعـوأ النـارَ أنَّـى العــار يعتـرفُ

ضحّـوا بعيـركَ لما نـاخَ مُختضبـــاً
يا صبــرَ أيـوبَ لا ملحٌ و لا ألفـُـوا

نبعاً من الطيبِ من دجلاتِ فاختةٍ
سود الجبـاهِ توضّى فوقها الصَّلَـفُ

باعـوا عـراقك لمّا ناخَ من وَهَــنٍ
برءَ الضفاف التي من فيضها اغترفوا

لمّـا نبـذْتَ كعودِ الطيبِ من حُــرَقٍ
و بـات غيرُكَ في الإبلاسِ يرتجــفُ

قد حامقوك وشأواً زهـوكَ احترقوا
بئس العُفاةُ نكوُصاً حيثمـا ثُقِفـــوا

ياسيد الحــرف يامن حرفهُ شرفُ
أنقـى من الطُّهرِ والأجيالُ تغــترفُ

يا سيد الحرف قلبي الآن يرتجفُ
يكفيــك أنك والأحقـابُ تنـصـرفُ

صنـاج دهـــركَ والأنـواء شاهــدةٌ
والشـّـــطُّ والناسُ والآلاءُ تعــترفُ

ياسيد الحرف تغــراباً على كِــبَرٍ
ما غير مجدك في الترحال يُلتحفُ

أسفارُكَ البيدُ من منفى الى نكــدٍ
وحسبكَ النُّـبلُ أن يُغرى بك الشَّظفُ

فالأرضُ أبقى و أوفى رغـمَ سكرتها
تدريك ملحٌ و تخشى لَسْعَهُ الجيفُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى