بدون مؤاخذة.. عقدة الأجنبي

جميل السلحوت | فلسطين

في ثقافتنا الشعبية والرسمية قضايا ومواقف تستحق المراجعة والتمحيص، والعمل على تغييرها، وعقدة الأجنبي ليست أقلها، تماما مثلما هي ليست الوحيدة، فالمبالغة في تفضيل الأجنبي على المحلي والقومي والحضاري لا يقتصر على المنتوجات بمختلف أشكالها واستعمالاتها، بل يتعداها الى الأشخاص، حيث أن احترام الأجنبي قد يصل إلى درجة التقديس، وكأننا أمة وليدة اليوم الذي نحن فيه، فنشطب تاريخنا وثقافتنا ورموزنا دون تفكير لنستظل بمظلة أجنبية، ونحن إذ نحترم الحضارات والثقافات الأخرى ومطالبون بمعرفتها والاستفادة منها، إلا أننا مطالبون أيضا باحترام تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا، وإذا كان الانغلاق والتقوقع مرفوضا تماما، فإن التنكر للذات مرفوض هو الآخر أيضا، فعلى سبيل المثال نحن نجل ونحترم حركات التحرر العالمية لمختلف شعوب الأرض، ونحترم رموزها التي قادت شعوبها الى التحرروالاستقلال، مثل حزب المؤتمر الافريقي في جنوب افريقيا، وزعيمه السابق نلسون مانديلا، الذي ضحى بأكثر من ربع قرن من حياته أسيرا في جزيرة معزولة ولم يهن ولم يتنازل، وخرج من سجنه بعد أن تحققت الأهداف التي ناضل من أجلها وهي القضاء على النظام العنصري، ولينتخبه شعبه رئيسا لدولته….فكل الاحترام لمانديلا ولنضالاته ونضالات حزبه وشعبه، وتجربتهم جديرة بالدراسة المتعمنة للاستفادة منها….وأنا شخصيا مع تسمية شوارع وؤسسات رئيسة في مدننا باسم المناضل مانديلا، لكن لدينا نحن ايضا مناضلون أفنوا حياتهم في النضال وخلف القضبان، ومع ذلك أطلقنا عليهم لقب”مانديلا فلسطين” ولعل أولهم الشهيد عمر القاسم الذي كان أسطورة في حياته واستشهاده وسيبقى مع الخالدين، وتردد وسائل اعلامنا أسماء عمداء الأسرى الفلسطينيين أمثال نائل وفخري البرغوثي الذين قضوا سنوات أطول من التي قضاها نلسون مانديلا خلف القضبان، وتلصق بهم اسم”مانديلا فلسطين”.

وحتى توجد ملصقات تحمل صورة القائد مروان البرغوثي وأخرى تحمل صورة القائد احمد سعادات ومكتوب عليها”مانديلا فلسطين” وإذا كان تاريخنا العربي المعاصر لم يعدم وجود قادة أفذاذ، تماما مثلما هو تاريخنا القديم أيضا، فلماذا لا نحيي أمجاد قادتنا ومناضلينا عبر العصور، أم أن الأسماء الأجنبية تسحرنا، فنتنكر لتاريخنا الحافل بالأمجاد.

قبل أكثر من ألف عام وقع أبو فراس الحمداني-ابن عمّ سيف الدولة الحمداني- في أسر الروم، وأمضى في الأسر عشرين عاما عانى فيها الويلات،وقال فيها قصائد من أمهات الشعر العربي، فلماذا لا نستعيد تاريخه….وسبقه وخلفه ايضا كثيرون فلماذا لا نستعيد ذكراهم، أم أننا ارتضينا أن نكون على هامش الأمم في مختلف المجالات؟ والحديث هنا يطول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى