حكايا من القرايا ” دوّاس الليل “

 عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

عن أبي المشمش، عن أبيه الحزرومي، قال:سألت أبا درّاب: ما أغرب ما لاقيت؟

قال: وأنا راجع إلى البلدة ليلاً، راكباً حماري، سمعت (هَسَفَةً) بين الهشير (العشب الطويل الجافّ)، وكان القمر بدراً وسط السماء يداعب النجوم، خلتها حية تسعى، وخاب ظني، عندما رأيته يسير مسرعاً إزاء حماري، ثم يعود مسرعاً مرة أخرى، وظلّه في ضوء القمر، يسابقه… وتوقف حماري عندما رأى ضبعاً، يتضبّع أمامه، ويمدد ظهره، وينفخ… وينفخ…  

قلت (والكلام للحزرومي): أظنك قتلته؟

قال: لا

قلت: إذن صحت به، فهرب… 

نعم، صحت به، وأشعلت قدّاحة الكاز، علّه يهرب من ضوئها، لكنه بقي على حاله، يركض ثم يعيد انتشاره، وينفخ… يقولون، هذه النفخة هي التي تضبع الإنسان، وتقلب عقله، وتجعله يركض خلف الضبع إلى موكرته، وهو ينادي يابا… يابا… عندها يصير وجبةً دسمةً في فم اللعين…

– إذن، لقد هربت؟

عيب عليك أن تتفوّه بهذا الكلام، أنا رظعان حليب سباع، وميكل روس جمال، بدي أهرب من ظبع!! والا مصدق إنو بدو يقلب لي نحاسة راسي… وصير أناديه… يابا… يابا… يابا…؟ انت بتصدق هيك حكي عني….؟

إذن، شو عملت؟

برمت سيجارة دخّان هيشي، مفروك تحت الغربال، وأشعلتها، ومجّيت أول مجّة، ونفختها بوجهه، حسّيت عنيه (عينيه) بلّشت اتزغلل، والنفخة الثانية ومجّيت بوجهه، حسّيت إنو داخ… قلت في نفسي: آه، يا لعين، هسّا بترتكب…  ، واعتليت ظهره، وصار يمشي شوي شوي… وأنا أمجّ على سيجارتي الهيشية، وأغني:

شدّ اعنانك يا خيّال… شدّ اعنانك يا خيّال… والليل وعمرو ما طال… والليل وعمرو ما طال… 

حتى أوصلني عتبة البيت، لكن الحزين كان مِسْتوي من التعب… لما وصلنا العتبة – الله يمسّيك بالخير- ناديت أم الدرّاب لترى زوجها على ظهر الضبع، فتحت بوابة الدار، ارتعبت، ثم زغرتت نص الليل، وهاهت لزوجها دوّاس الليل،

 ثم صحت به، وظبعته، فولى هارباً,.. بدّو السلامة البحتيّة… يا الله، العفو عند المقدرة يا ولد، خللينا نكسب فيه حسنات… وقهقه… وقهقهت…

ثم سألته عن الحمار، ماذا حصل له، وقد بات وحيداً، 

تحيّر في الإجابة قليلاً، وكأنه يلملمها من هنا وهناك، ثم مجّ دخان هيشيته في وجهي، فكأنه ضبعني… وقال: ذهبت في الصباح الباكر، إلى خلايل أبو بدور، ولقيته هناك على ساحة بير الصفا، برعى وبشرب من المقر… اللي هناك… سحبته وجيت مروح… قهقه… وقهقهت… وقهقهنا معاً

وقلت في نفسي: ما أكذب من شابٍّ تغرّب… وختيار ماتت اجياله…!

*** الموكرة: مغارة الضبع، رظعان: رضعت، ميكل: أكلت، نحاسة الراس: العقل، هيشي: نوع دخان حامي، مجيت: نفخت الدخان، عنيه: عيناه، اتزغلل: لا يرى بوضوح، حسيت: أحسست، المقر: حفرة في الصخر تجمع الماء، اعنان: عنان الفرس لجامها، زغرتت: زغردت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى