بطاقة دعوة العرس

عليّ جبّار عطيّة | كاتب ورئيس تحرير

   لم أكن أتصور أن يأتي اليوم الذي تلغى فيه بطاقات دعوات الأعراس من خارطة حياتنا !
هل هناك مَنْ لا يزال يتذكر أنَّه في سنوات خلت كانت توجَّه إليه بطاقة الدعوة لحضور حفل عرسٍ يقام على شرف فلان الفلاني في المكان والزمان الفلاني!
قد تأتي الدعوة ببطاقات عادية، وقد تأتي ببطاقات فخمة وبحروف بارزة وبظرف أنيق.
لا يعرف على وجه التحديد أقدم بطاقة دعوة عرس وإنْ كان أمكن تحديد أقدم لوح لعقد زواج مكتوب قبل نحو أربعة آلاف سنة فقد عثر علماء آثار أتراك في المنطقة السياحية بمقاطعة كايسيري الوسطى بتركيا على أقدم عقد زواج في التاريخ على حجر آثاري لكن لا يوجد ما يشير إلى وجود لوح آثاري يحمل دعوة لحضور حفل زواج!
وإذا كانت شهادتك الجامعية أصليةً، ومن جامعةٍ معترفٍ بها عالمياً(خط ونخلة وفسفورة: كما يقال)، وليست من جامعة (أون لاين)، أو كنتَ مهتماً باللغة العربية نحواً وصرفاً وبلاغةً، فإنَّك ستشعر بالانزعاج، وأنتَ تقرأ دعوةً وردت فيها هذه الجملة: (وبحظوركم يزدان الحفل رونقاً وسروراً)! فتلطم على رأسك؛ لأنَّ الذي كتب (بحظوركم) لا يفرق بين الظاء والضاد، وهو من أهل لغة الضاد !
كما أنَّ المعاناة ستستمر مع وجود مكاتب للخط العربي مجازة تنتج لافتاتٍ لا تعرف أنَّ (ليس) من أخوات (كان) ترفع الاسم وتنصب الخبر، وأنَّ (لكنَّ) تُكتب غير ما تُقرأ فتطبع العبارة مغلوطةً هكذا :(لسنا الوحيدون لاكننا الأفضل) !
كنتُ أظن في طفولتي أنَّ اسم كل عروس هو (كريمة) لورود تعبير (زفاف السيد فلان على كريمة السيد فلان) حتى عرفتُ ذات يومٍ أنَّ عائلة العريس تتحرج من ذكر اسم العروس، وسبحان الله! تتحرج العائلة من ذكر اسم العروس ولا تتحرج من استعراض فعالياتها في الأزياء والرقص أمام الملأ !
مصيبة أخرى تنتظرك في بطاقة الدعوة هي أنَّ البطاقة كتب على ظهرها (إلى السيد فلان الفلاني وأخوته الكرام) فتدخل بمسألة شرعية هي: هل الدعوة خاصة للأخوة فقط، أم يمكن أن تدعو أحد الأبناء؟
وتلتفت إلى أنَّ حضور العرس واجب لأنَّك مدعو، وإذا تخلفت عن دعوة المؤمن من دون عذر فأنتَ مأثوم، أما حضور مجلس العزاء أو الفاتحة فمستحب!
جاء سقوط النظام أو الصنم لتسقط معه عادات وتقاليد فصارت الدعوات توجه شفهياً بالهاتف النقال، ثمَّ قضت مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الفعالية فصارت الدعوة تنشر على منصات التواصل الاجتماعي، ويجري تلقي التهاني مباشرةً!
ثمَّ جاءت جائحة كورونا لتقضي على البقية الباقية من مراسيم الزواج بدعوى الالتزام بتوصيات خلية الأزمة ولجنة الصحة والسلامة في التباعد الاجتماعي!
لكنَّ الأعراس وسابقاتها، وتوابعها عادت بقوة بعد انحسار الجائحة ـ حتى وإنْ لم يكن أبو العريس طبالاًـ وصارت تقام في قاعات حافلة بالضوضاء، والأصوات النشاز التي هي من أسباب التلوث السمعي والبصري فضلاً عن التلوث العقلي !
ماذا نفعل لو عادت بنا مركبة الزمن إلى سبعينيات القرن الماضي، كيف ننظر إلى مَنْ ينظم حفل عرسٍ من دون بطاقة دعوة ؟
وإلى أين نمضي بعد أن تأخذنا مركبة الزمن إلى المستقبل؟
الكثير من الأسئلة تدور في الرأس يقطعها وصول بطاقة دعوة لحضور حفل تكريم أحد الأدباء بشهادةٍ تقديرية، وبدرع نحاسي، فهل يأتي اليوم الذي تُلغى فيه هذه البطاقات أيضاً أُسوةً ببطاقات الأعراس؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى