حبيبتي الجزائر .. نصف صراط الثورة مع فلسطين والنصف الثاني معكم
توفيق شومان | مفكر وخبير سياسي لبناني
نحن في المشرق العربي، نحفظ عن ظهر قلب، نشيد:
قسما بالنازلات الماحقات
و الدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
أخوة العروبة :
لكم في قلوبنا منازل، وفي ذاكرتنا ثورات، وفي أحلامنا جمال لا يشبهه إلا جمال الجزائر .
في المشرق العربي ما آمنوا بحق ويقين وبجهاد مبين إلا بقضيتين مقدستين: فلسطين والجزائر، فنصف صراط الثورة مع فلسطين والنصف الثاني معكم.
ما تبقى شبهات قضايا: لهو ولغو وغلو وإفراط وتفريط وتطرف وموت وسوط .
كسرتنا فلسطين ورممتنا الجزائرأ. حرقنا المتأولون بإسم فلسطين وبلسم حروقنا الأولون المجاهدون في سبيل الجزائر .
سلام يا جزائر :
لا تكونوا مشارقة مثلنا
كونوا جزائريين
لا تغرنكم حرائقنا ولا قبائلنا ولا عشائرنا ولا أحزابنا ولا شعاراتنا ولاشعائرنا ولا حتى مشاعرنا .
كونوا أنتم
نحن أحرقنا كل جمال فينا
أحرقنا بيروت ودمشق وحلب وبغداد والموصل وصنعاء وعدن
لم يعد لدينا إلا خيمة بني تغلب وثأر بني مرة
أرجعنا النساء سبايا
وأعدنا الأطفال غلمانا
يا أهل الجزائر:
في ذاكرتنا :
الأمير عبد القادر الجزائري الذي استقبلته دمشق مجاهدا علما ، فكاد يكون ملكا متوجا على بلاد الشام، حين اجتمع أعيان الشام في العام 1877، في مؤتمرين سريين في بيروت وصيدا، ضم اللبنانيين أحمد الصلح وعلي عسيران ومحمد الأمين وعلي الحر وشبيب الأسعد، ثم أثلثوا مؤتمرهم في دمشق في بيت تقي الدين الحصني وقالوا لحضرة الأمير عبد القادر: ما غيرك يقود و ما غيرك يحكم ويملك .
لم يقل المسلمون ذلك وحسب؛ بل إن المسيحيين ما كانوا أقل انجذابا وبيعة لجلالة الأمير القادم من الجزائر ، فقد سبقته تقواه وعروبته إلى المسيحيين قبل المسلمين .
فعبد القادر الجزائري حمى خمسة عشر ألف مسيحي في منازله وضياعه الدمشقية خلال ” فتنة الطوائف الشامية ” في العام 1860 ، حين كان الروس والفرنسيون يشجعون المسيحيين على قتال المسلمين، وكان العثمانيون يحمسون المسلمين على قتال المسيحيين ، كما يقول محمد كرد علي في ” خطط الشام “، أو كما يقول ديمتري الدباس ، معاصر تلك الفترة ، (حوادث 1860 في مذكرات ديمتري الدباس ـ الأب جورج مسوح ـ طبعة العام 2015 ـ بيروت ) ،فنادى الأمير على العامة والغوغاء المتقاتلين والمتذابحين بالقول والقرار : اعتصموا بحبل العروبة لتسلموا ، فكان له ما أراد ، وكان لهم أن يعيدوا السيوف إلى أغمادها .
آنذاك أنشد أهالي دمشق وغنوا للأمير عبد القادر وقالوا :
ما لي إذا جفا الأحباب وابتعدوا
سوى الأمير الذي وافي به الرشد
السيد الشهد عبد القادر السند
في ذاكرتنا :
جزائريون في بلاد الشام ، أسسوا وناضلوا في الجمعيات الأولى للعروبة في آواخر القرن التاسع عشر وآوائل القرن العشرين ، من مثل “الجمعية القحطانية ” و ” جمعية العهد” ، و”جمعية الإخاء العربي ” ، و ” جمعية النهضة العربية ” ويزخر فضاء الذاكرة بقامات جزائرية أضاءت بلاد الشام وطريق المشارقة ، فكان منها : محي الدين الجزائري ، وسليم الجزائري الذي أنشأ ” المنتدى الأدبي ” بمعية اللبناني الجنوبي عبد الكريم الخليل ، لمواجهة التتريك والطورنة والإستبداد ، فناضلا معا ، واستشهدا معا بحبل واحد ومشنقة واحدة وعلى طريق العروبة الواحدة .
في ذاكرة المشارقة : طاهر الجزائري وإحياؤه للمدارس المقفلة في دمشق منذ العهد المملوكي ، وإسهام أهل الجزائر في نشر العلم والتنوير في مدن الشام ، من خلال بنائهم “مدرسة عنبر” أو “مدرسة دوحة الأدب “، و ” المدرسة الريحانية ” و ” مدرسة ابن خلدون ” ، وكما في المدارس ، كذلك في الصحف ، ف ” المفيد ” و المهاجر” و ” الوحدة ” ، التي أصدرها الجزائريون في بلاد الشام ، كانت منارات وعي وثقافة ، مثل منارات المشارقة المعروفة ب ” المنار ” والزهراء ” و” العرفان ” والمقتبس ” والهلال ” والمقتطف ” وغيرها .
في ذاكرة المشارقة :
أن أهل الجزائر لا تفتنهم فتنة ولا تأخذهم غضبة قبيلة ولا حمية طائفة أو مذهب أو جهوية .
فعلها الأمير عبد القادر الجزائري في ” فتنة الطوائف الشامية ” في العام 1860، حين قال لأهل الشام : اعقلوا … فتعقلنوا .
وفعلها إبنه علي في درء ” فتنة الكرك ” في العام 1910 ، وفي إطفاء ” فتنة حوران ” في العام 1911.
وفعلتها الجزائر كلها حين سعت لدرء ” فتنة صدام حسين ” في العام 1975 ، فأشرفت على ” اتفاقية شط العرب ” ، بين العراق وإيران ، لكن ” فتنة صدام ” غلبت محاسن الجزائر وحسناتها ومساعيها الحميدة ، فأقدم صدام حسين على اغتيال وزير الخارجية الجزائرية محمد الصديق بن يحيى وثلاثة عشر جزائريا آخرين ، بإسقاط طائرتهم أثناء محاولتهم التوسط لإنهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية في مايو/أيار في العام1982 ، مثلما يروي اللواء خالد نزار في مذكراته.
ومثلما سعى الجزائريون في بلاد الشام إلى إطفاء ” فتنة اليمن ” في ستينيات القرن التاسع عشر بين الدولة العثمانية وأهل اليمن ، سعوا إلى إخماد ” فتنة اليمن الحديثة ” في العام 2015 ، ولم يأخذهم يأس ولا إحباط منذ العام 2011، حين حملوا رايات التسويات بين التونسيين والتونسيين وبين الليبيين والليبيين وبين السوريين والأتراك .
في ذاكرة المشارقة :
أن طلائع العمل الفدائي الأول في فلسطين المحتلة ، كان الجزائريون في صدارة قادتها ورموزها ، فمحمد أعراب، وأصله من “تيزي أوزو” ، كان أول شهيد في قريته “معذر” الجزائرية ـ الفلسطينية ، وأما أهالي بلدة ” هوشة ” ، من مثل حمادي أرغيس و محمد أحمد أرغيس ، وعمر أبوزيد من ” ديشوم ” و عبد الله الأخضر من ” كفرسبت ” ، فقد انتظموا منذ خمسينيات القرن العشرين في الطلائع الأولى لمقاومة احتلالين : بريطانيا و ” إسرائيل ” .
ربما لا تتسع ذاكرة المشارقة للحديث عن نقاء وصفاء الجزائريين وعن أخبارهم وعن جمالهم و نضالهم و عروبتهم ، وعن الأخلاق الفائضة في سلوكياتهم ، وقد يوجز الحوار الذي يورده محمد حسنين هيكل في كتابه ” الإنفجار ” وجرت وقائعه في الثاني عشر من يونيو / حزيران 1967 ، بين الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين ( الذاهب إلى موسكو بالتنسيق مع الرئيس جمال عبد الناصر )، والأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ليونيد بريجينف ورئيس وزرائه اليكسي كوسيغين ، ذاك الإباء الجزائري الفريد والمتفرد ، فحين قال كوسيغين لبومدين : ” أعطيناكم سلاحا بأسعار مريحة ” ، رد بومدين عليه بالطلب من مرافقه وزير المالية الجزائرية ، قائلا : ” اسحب الصك المالي وحول إلى وزارة الدفاع السوفييتية مائة مليون دولار ” .!!.
طائرات حربية ودبابات ومدرعات وآليات عسكرية جزائرية ، على أنواعها ومن أنواع مختلفة ، راحت تصل مصر بعد هزيمة العام 1967 ، وإلى أن قيل ، إن حرب العام 1973 ، بقدر ما كانت حربا مصرية ـ سورية مشتركة بوجه “إسرائيل ” ، فإنها حرب جزائرية ـ إسرائيلية في المضمون والتفاصيل .
في ذاكرة المشارقة جميلة بوحيرد
وإذا كان المشارقة يقرؤون عن قديسة الفرنسيين جاندارك ، إلا أنهم يطوبون جميلة بوحيرد قديسة للمشرق والمشارقة ،غنوها مثل عشتروت آلهة للجمال وخصب الثورات ، وإذ كان العرب لا يُعجبون بالنساء إلا بكونهن ذوات متعة وفراش ، فجميلة بوحيرد علت إلى مصاف القديسات والأيقونات ، الحبيبة بدون رجس والقائدة ـ المثال لجموع ذكورهم وشيوخ قبائلهم.
يا أهل الجزائر :
عيون المشارقة وقلوب المشارقة شاخصة إليكم
الثورة ليست حرقا
الحكم ليس تسلطا
التغيير ليس لهبا
السلطة ليست عنفا
الشعب الذي يواجه جيشه يفقد سياجه وحصنه ويفتح حدوده للعابثين والناقمين والحاقدين والطامعين .
الجيش الذي يواجه شعبه يفقد روحه ويبقى جسدا ، ولاقيمة لجسد بدون روح .
لا شعب بلا جيش ولا جيش بلا شعب
كل تغيير بالقوة يخلفه حكم أكثر قوة
كل إصلاح بالعنف ليس إصلاحا
فالعنف والإصلاح ضدان وعدوان شرسان
الإصلاح غالبا ما يكون شهيد العنف وقتيله
كل عنف من هنا منبوذ وكل عنف من هناك مرفوض
ليس بإستئثار السلطة تبقى الجزائر
وليس بإسقاط السلطة تتغير الجزائر
ليس بالإلغاء تتقدم الجزائر وليس بالتخوين
ولا بنظرية المؤامرة التي أهلكتنا نحن أهل المشرق ودمرتنا وأحرقتنا وحولتنا خرابا وأطلالا يابسة .
لاتكونوا مشارقة
كونوا جزائريين
كونوا جزائريين بفتح القلوب وفتح العقول وفتح الحلول
لا تأخذوا المشارقة مثالا
فما لديهم مثال ولا أمثلة
ولا قول ولا مقولات
كونوا جزائريين و تعالوا ننشد معا :
بدر الجزائر في العلا
من فاق قدرا في الملا
يسر لها آمالها
وافتح لها يا ربنا
عشتم وعاشت الجزائر
تحيا الجزائر.