الموؤودة
سلمى صدراوي | تونس
كَبّلوني بعَادَات أسلافهِم الأموَات القَامعة، حَاوطوني بسُور العَيب من كُل جَانب، أقنعُوني أنّ المُجتَمع مُرعب أكثر من الله و ترويضهُ يَعني قَمعى وانتهاك حُرّيتي، علّموني أنّ سِتري الوَحيد رَجل وقَبر ولَيس عَمل و فقه، علّموني أنّ الشّرف ينعدم لَحظة خروجي وطَلب العلم والسّياقة و حَتّى عند كَشف طَبيب عَليْ، علّموني أن تلكَ حَبيسَة الدّار أفضل من تِلك التي تجاهد في سَبيل أحلامها و تعيل فلذات أكبادهَا وأحبَابه، علّموني أنّ أعظَم إنجَاز للمَرأة الطّبخُ والإنجَاب فقَط، عَلّموني أنّ مُصيبة الطّلاق أبشعُ من المَوت، وأنّ تَقبيلَ يدين جلّادِي أهونُ من رجُوعي إليهم بَاكيَة، علّموني أنّ صَوتي عَورَة حين يَنطقُ بالحَق.
لكنّني مُتمرّدة جدّا وأتفنّن في كَسر القُيود وإيجاد سُبل الفرار حتّى وإن عجزتُ في كسر الحِجارة التي في عقولهم، سَأهربُ بأحلَامي إلى الزّواج لكن لَن يكٌون من اختيارهم أو يُشبههم؛ بلَ رجُل يُشبِهُني أحتمِي بِهِ مِن نظرة المُجتَمع، رجُل لا يَقمعُ الطّمُوحَات، ولا يدفِنُ الشّغَف كَما تَفعلُ بَعض العَائلَات المَهُوسَة بالعَيب، رَجُل يُصفّق لإنجَازاتي ويَكتئبُ لفشلي يفتخرُ، وبأنوثتي ولا يَغتالهَا، رَجل يدركُ أنّ لكُل عَصر تَفكير و لكُل جيل تَنوير .
للأسَف لازَالت الموؤُودَة تُدفن لكن بطَريقة عَصريّة، لا زَال خَبرُ ولادَة الذّكر يُزعزعُ البَيت من الفَرحَة و مَجيءُ الأنثى كَأنّهُ عَار؛ لكن لَيتهُم يَدرُون أنّ لكُل أمّ عَاجزَة ابنتها ٌ ولكُل أب بلا مَأوى بيتٌ ابنته ، ولكُل أخ مُحتَاج أخت ّ