قراءة في رواية “كوفيد الأحلام” للكاتبة الفلسطينية قمر عبد الرحمن

الأسير الفلسطيني الأديب هيثم جابر

قمر عبد الرحمن.. وكوفيد الأحلام الذي لا ينتهي

ليس الإبداع أن تكتب رواية وفق المعايير الروائية والأدبية التقليدية، وإنما الإبداع أن تكتب ما هو خارج عن المألوف، ولا شك أن “كوفيد الأحلام” للأديبة قمر عبد الرحمن رواية مميزة تخرج فيها عن المألوف، حيث تبدأ فيها الكاتبة بقصيدة شعر تلخص الرواية برمتها، تطرح وتعالج عدة قضايا اجتماعية سيئة تنخر في جسد المجتمع الفلسطيني والعربي، فالقصيدة تلخص الرسالة التي تود الكاتبة إيصالها للقارىء من خلال الإصرار والمثابرة التي تحلت بها بطلة الرواية “حبيبة” كي تصل إلى ما وصلت إليه من تعليم ومكانة ثقافية مرموقة في المجتمع.

اللغة الشعرية بدت جلية في رواية الكاتبة الشاعرة، وهنا تبرز إشكالية الشاعر الروائي، وتأثير كل منهما في الآخر.

في رواية الأديبة قمر عبد الرحمن طغت اللغة الشعرية، ولا غرابة في ذلك حيث تعد “قمر” من الوجوه اللامعة والبارزة في شعر الهايكو في مدينة الخليل كما تميزت به كذلك الأديبة الكبيرة “يسرا الخطيب” من مدينة غزة. كما صدر للشاعرة قمر عبد الرحمن “رشفة حقيقة” للشعر النثري، “صلاة الدموع” لشعر الهايكو، “بين كلمتين” لشعر الهايكو، و”مجموعة شعرية” عن ديوان العرب مع شعراء آخرين، وأعمال أدبية وشعرية أخرى، لذلك لا غرابة أن تطغى اللغة الشعرية على الرواية.

بدت اللغة سهلة سلسة يستمتع بها القارىء، وهو يتنقل بين دفات الرواية، وأروقة السطور الوردية، ولا يشعر القارىء بغرابة أو بثقل الكلمات كما هو الحال في بعض الروايات التي يتم فيها استعراض العضلات اللغوية والتشبيهات والاستعارات المبالغ فيها، لذلك لغة الرواية كانت رائعة جدًا، سلسة ونقية وسليمة، كما حرصت الكاتبة على أن تكون الرواية لكافة المستويات الثقافية والاجتماعية.

ولا يقتصر جمال العمل الأدبي على اللغة وسلامتها وجماليتها، بل يتقدم بمعالجة قضايا اجتماعية سلبية تنخر في جسم المجتمع، مثل ظاهرة تأخر الزواج، والمفهوم السلبي والصورة النمطية لهذه الظاهرة إن جاز أن نسميها ظاهرة، حيث تعالج قمر هذه المشكلة من خلال شخصية (هديل) كما أن الشخصيات لم تأت في الرواية بشكل عبثي أو لمجرد الحشو الروائي.

ظاهرة الأمراض النفسية كما هو الحال في شخصية (عز عم نبيل) وكذلك ظاهرة العادات العشائرية السيئة في شخصيات (عائلة عنان) زوج حبيبة الذي لم ينتظر حتى وفاة زوجته المريضة ليتزوج عليها، مجرد أنها مرضت وبدلًا من الوقوف بجانبها قرر الزواج بمساعدة عائلته، ثم تكون المفاجأة في تعافي الزوجة.

كما تعالج الكاتبة العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية بطريقة أدبية بعيدة عن الوعظ والإرشاد، كما هو الحال في بعض الروايات الأخرى.

تثبت الكاتبة مرة أخرى أن المرأة عندما تكتب عن الحب والعاطفة تبدع، وتثري لغتها بالعبارات الشعرية الجميلة التي تخرج صادقة من القلب. أيضًا تبدع الكاتبة المرأة حينما تعرض قضايا المرأة ومعالجة الصورة النمطية لها بعيدًا عن الأسلوب الوعظي.

تبدع قمر أيضًا في محور آخر من محاور روايتها الرائعة، عندما تثبت أن العدو اللدود للمرأة هي المرأة ذاتها، من خلال عداء (نسرين وحنين) زوجات أخوة عنان لحبيبة المثقفة والمتعلمة، وحسدهن وغيرتهن منها.

ولا بد هنا من الإشارة إلى الانسجام إلى حد ما بين الزمن الروائي والزمن السردي الذي يحتاج إلى بحث كامل في الرواية، فهو علم وعالم قائم بذاته.

لماذا كوفيد الأحلام؟
كما يوجد هناك كوفيد الاحتلال، كوفيد الاستبداد، كوفيد السياسية، وكوفيد كل شيء سلبي من شأنه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، يوجد هناك أيضًا كوفيد الأحلام “لقمر عبد الرحمن” كوفيد يصيب المجتمع بالكامل، نتيجة تنكره لتعليم المرأة، وبعض العادات السيئة والتقاليد البالية التي تنخر في جسد المجتمع.

ولا شك أن ظاهرة كورونا وما رافقها من إغلاقات، وتبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية، أثرت في المجتمع الإنساني والعالمي ككل، كما حصد هذا الفيروس ملايين البشر، إلا أن فيروس العقول والأحلام هو الأخطر على البشر وليس المرض العضوي والجسدي فقط.

رواية “قمر عبد الرحمن” تحتاج لأكثر من مقالة رأي للقارىء، تحتاج للكاتب الناقد والباحث المتخصص، ليمحصها بالبحث والنقد من زواياها العديدة وجوانبها المختلفة، وليعطيها حقها الذي تستحق.

قمر كاتبة مبدعة، وأعتقد أنها تستحق أن تُقرأ روايتها بطريقة بحثية نقدية وعلمية، لأن هذا العمل الأدبي الجميل يستحق الاهتمام والمطالعة، وتناوله بالبحث والنقد الأدبي البناء، كما تستحق هذه الرواية أن تتواجد في المكتبات العامة والخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى