حكايا من القرايا.. ” تكامل اجتماعي “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

 

كانوا يستعيرون الأشياء من بعضهم بعضاً لقضاء حوائجهم. فاستعار الجار من جاره الخبز والملح، وحمل فنجاناً فارغاً ليستعير (روبة) اللبن… استعاروا حمير بعضهم بعضاً، للشغل أو الركوب، استعاروا حتى ملابس بعضهم بعضاً عندما كانوا يخطرون (يسافرون) واستعاروا الأحذية، ليظهروا في أبهى صورة…

جاملوا بعضهم بعضاً، أي استدان الواحد منهم جهد الآخر، فكان أصحاب الحصاد الواحد يعملون مع بعضهم بعضاً، وإذا أنهوا حصيد أحدهم انتقلوا للثاني والثالث وهكذا… حتى ينهوا المهمة كلها وهم مرتاحون… وكذلك في الحراثة أو الزراعة والتعشيب…

وكانت المقارظة، حيث تحلب المرأة مانوحة البيت وتقرضها لجارتها، وعندما يتجمع كمية من الحليب عند الجارة، كانت تقوم بتجبينه، أو عمل اللبنة المدحبرة منه… ثم تدور الدائرة وتعيد المرأة ما استدانته من حليب لجارتها… وهكذا تتساعد الاثنتان وربما الثلاثة لإتمام مهمة ما…

قال لي: لا تستغرب، كان في البلدة كيس واحد للطحنة… يستعيره أهل البلدة لطحن قمحهم في بابور القرية المجاورة، ثم يرجعونه إلى المختار… وعندما استعاره الشلبي كي يطحن، وعاينه، وجده مخروقاً، فاستدعى الأمر شكوى مباشرة إلى المختار، وتشكيل لجنة للتحري والتحقيق، وانخزى الملّيطي بعد إقراره ، فالكيس انقدّ عنده ولم يبلّغ… وخللاها ساكت ع ساكت…

نعم، استعاروا الخيط والإبرة وفلقة الصابون، وإبرة (نكّاشة) البابور، والخميرة، والكبريتة… عدا عن الفاس والطورية والمسمار والشاكوش… كما استعاروا الكالوشة والمنجل والشاعوب والمذراة…

ما أروعهم! وقد أتى أحدهم ضيف غريب ذات مساء، لتجد الناس كلهم يشاركون في توفير وجبة رائعة له… فهذا يأتي بصحن ثريد، وهذا بصحن بحتة، وذاك بلبن، وذاك ببعض المقالي… وهكذا، ويأكل الضيف هنيئاً مريئاً… ثم يتعلل معه الناس، يأتون بالأخبار من كل لون، يسردونها ويحللونها، ويبدي كل منهم رأيه… ثم يلعبون ألعابهم، يلعبون المنقلة والسيجة والخاتم والصينية… وقد يُحزّرون بعضهم بعضاً… وينكّتون، ويتضاحكون… وقد يعقدون شراكات… ويتم بيع وشراء في التعليلة، وربما اتفاق على زواج أولادهم وبناتهم… يتم هذا بين طقطقة فناجين القهوة، وكؤوس الشاي، وبربرة الأراغيل الموسيقية…

وإذا أراد الضيف أن يمدد إقامته، وجدت أحدهم يصرخ قبل تناول الوجبة الجماعية ” بكرا الغدا عندي” فيحاول القوم مجاملته وشكره وثنيه عن الغدا (لا يريدون تكلفته)… لكنه يصر ويلح… ويقول” الكلمة رصاصة إذا طلعت ما بترجع، وتشفع الكلمة عادة بالقسم والتغليظ فيه… وهيك بتكون العزومة كربة… وبتكون انعقدت… كانت حياة بسيطة فيها تعاون، وفيها قناعة، قاعدتها ” كل شي قرظة ودين، حتى دموع العنين” وكانوا يقولون ” يجب أن تتحايل على الحياة، كي تدبر أمورك وتعيش… فالحياة محايلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى