قراءة في رواية “حكاية سر السيف ” للأسير: وليد الدقة
بقلم الأديبة: إسراء عبوشي | فلسطين
بدأ وليد الدقة بسرد أسراره قبل قدوم ابنته (ميلاد) وكأنه تنبأ بالمستقبل، ثلاثية أسرار في مشروع كتابي موجة لليافعين صنفها الدقة على أنها حكايات، صدرت عن مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعي.
بدأت الثلاثية “بحكاية سر الزيت” حملت رسالة فحواها أن وباء العصر هو فقدان الحرية، أما الجزء الثاني “حكاية سر السيف” تقول إن الزيت ليس لتزييت النصل إنما لتزييت الذاكرة، وحمايتها من الصدأ والتلف تنتهي الثلاثية ب “حكاية سر الطف” وهي برسم الكتابة، موضوعها الشهادة، عن شهداء الثلاجات والأسرى،، وإن لم يسعف وليد الدقة العمر _ لا سمح الله_فسيكون كمن يكتب نهايته بيده، وتكتمل باستشهاده الثلاثية.
هي روايات أو حكايات صغيرة، لا تتعدى ال100 صفحة، لكنها تضم الوطن بأرضه وشعبه وتاريخه، ومستقبله، أطفال نطف، تهجير، مطاردات، واستشهاد، يتحدث في رواياته البشر والشجر، ،كأنها فصل من فصول كليلة ودمنة وتدخل الأسطورة والخيال، يوظفهما في السياق السردي بإتقان، يوجه الذاكرة في زمن أطلق عليه الماضي الحاضر والمستقبل.
الكاتب حين يكتب يخاطب كل الأعمار ، ويجمع الأزمنة ويوحد الأصناف الأدبية، أما النهاية فكانت واحدة في السرين في السر الأول سر الزيت الحرية بالعلم والعلم الدواء الذي يقضي على الوباء وهو فقدان العقل والجهل، وفي سره الثاني سر السيف: الإخفاء لإخفاء الظلم والجهل حتى نحرر وطنّا ، وبين الإظهار والإخفاء تنتصب أم رومي الشجرة التي تجاوز عمرها ألفاً وخمسمائة عام، ومجموعة من الأصدقاء يرفقونه في مغامرته للوصول إلى قاقون عبر المنشية لإحضار كواشين وحجج الأراضي.
العاطفة في الرواية تجند الكائنات لغاية الكاتب، هي تحيل التمساح إلى خادم يحملهم للضفة الأخرى، نقلت له الريح رائحة أبدانهم عرفهم من نسل الوادي وعرف أجدادهم، حتى الأواني تنتظر أصحابها، والمناجل تشتاق للأيدي التي تتناولها بمواسم الحصاد، وهي لم تكن تدرك أن ذلك الموسم كان آخر المواسم وعلقت على الجدران لأعوام، والأشجار انتظرت عودتهم عشرات السنين، ستدلهم إن تاهوا، وتنحني لهم وتحييهم، الشرفات تطل على الشارع منتظرة من غُيّبوا، وكم من العاطفة والمعاني العميقة في عبارة” الحياة تجمدت يوم 5|6|1984″
هذه المغامرة نبش في ذاكرة الجدة، وقد استخدم الكاتب وصف ” مرض النسيان” لمرض الزهايمر الذي أصاب الجدة، هذا الوصف الرقيق الذي يتقبله الطفل بيسر ويتعاطف معه لرقة لفظه وقوة معناه.
وفي لفتة رقيقة أخرى يحتوي الأصدقاء الحمار ” براط” ويشاركونه مناقشاتهم، فكيف لطالب كيمياء أن يناقش حمار ويخرج معه ومع باقي الأصدقاء بمخرجات لتفكير عميق حول الأسئلة الصحيحة والأسئلة الخاطئة.
يبقى السيف في غمده ليفتح باب القبو، دلاله على أننا شعب لا يريد الحرب بقدر ما يريد أن يطالب بحقه المسلوب.
هي دروس تربوية وأخلاقية موجهة بطريقة سلسلة للأجيال بصورة غير مباشرة ضمن السياق السردي.
يتوازن العلم مع التاريخ، الفلسطيني يجب أن يكرس علمه للحفاظ على وطنه التاريخي، في مغامرة لا تعترف بالمسلمات، يبحث عن الإجابات الصحيحة وهو يفكر هل السؤال صحيح؟ يناقش أصدقائه رغم أنه يفوقهم علماً، يناقش الفكرة، فيضع القارئ أمام تحديات عقلية تجعل الرواية تتعدى فئة اليافعين.
رغم أنها موجهة لليافعين، الكاتب يخاطب الأعمار كافة فالمعاني أعمق من أن توجه لعمر محدد، على سبيل المثال يقول على لسان زين: أظهروا الحق.. الحق يا ستّي ما بعود إلا إذا أظهرتموه”
مضت عقوداً على الدقة داخل الأسر، لعبوا في الوعي واختلف معنى الحق، لكنه الذي يقول السجن ليس بأسواره وأسلاكه الشائكة هو الذي يأسرنا لقد عرف المعادلة وأهمية التمسك بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ويجب إظهارها جلية والدفاع عنها.
وقال على لسان الكلب أبو ناب: ما تخاف إلا من ضباع اليوم.
أبو ناب الذي يمثل التنسيق الأمني، يوظفه الكاتب ليكون دليل للمغامرة في بُعد إنساني وحس عالٍ لظروف حياته.
وعلى لسان لينا: إن الأقنية تبدو لها أشبه بذاكرة أو عقل الناس الباطني، إن دخلناها عرفنا الكثير عنهم.
تلك المفردات والتراكيب اللغوية والبعد الفلسفي تناسب مختلف الأعمار، وتشكل ثروة لغوية لليافعين.
وفي مكان آخر: الجوع والفقر انحرفوا في ذاكرتها شكّلوا كثيراً من شخصيتها وسلوكها.
الإباء لهم أسلوب حياة متوارث، هم يخافون من الفقر، وما سبب ذلك الخوف سوى لتجارب جوع وفقر حفرت في ذاكرتهم.
بحثوا عن الإظهار و الطريق قادهم لأشياء أخرى ، الأضداد الإخفاء والإظهار لنفس الهدف، لبناء مسار الحكاية ومنهجها.
يشار أن الأسير وليد نمر دقة، من مواليد عام ١٩٦١ في باقة الغربية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨. اعتقل في العام ١٩٨٦، وحكم بالسجن المؤبد، وقضى حتى الآن ٣٢ عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي. حصل أثناء فترة اعتقاله على درجة الماجستير في العلوم السياسية، وأنجز العديد من الدراسات والمقالات، بالإضافة إلى نصوص سياسية وثقافية، من أهمها دراسة «صهر الوعي»، ونص «الزمن الموازي» الذي يتناول تجربة الأسر، وتم تحويله إلى عرض مسرحي.